اشترِك في نشرتنا الإخبارية
على متن الريح
دونكيشوت: أيُعقل أن يعيش الإنسان خارج الزمن يا سانشو؟
سانشو: أظن ذلك يا سيدي الدون. فما الإنسان إلا دودة في الأصل. وتستطيع التمرن على كل شيء.
دونكيشوت: ما هذا الهذر يا سانشو. كأن الجنون وقد ضرب مخّك بزلزال؟
سانشو: تلك هي الحقيقة يا سيدي الدون، فالإنسان الدودة ، سرعان ما يتأقلم مع الطقوس الإيديولوجية، حتى تفيض بها نفسه مع الوقت، لتنتفخ وتكون على ما هي عليه الآن.
دونكيشوت: تقصد إنني كنت دودة يا سانشو؟!
سانشو: دودة، مضافاً إليها بعض المعدات الأخرى، يا سيدي الدون.
دونكيشوت: معدات أخرى تقول! محرّك ودواليب مثلاً؟!
سانشو: بالضبط يا سيدي الدون. محرّك ليضمن دوران الدم في الطبيعة، ودواليب لخوض المعارك.
دونكيشوت: لمَ هذا الانهماك كلّه يا سانشو؟ ألا يكفي كل جسد بما في صاحبه من دم؟
سانشو: بما إننا ديدان ومررنا بتحولات بيولوجية، فلا تظنّن يا سيدي الدون سنكتفي بأصولنا القديمة من دون تغيير في النسل أو في شيفرات السلالات.
دونكيشوت: لذلك أرى كم من الديدان وقد تحولت إلى ذئاب يا سانشو!
سانشو: ولا أظن أن الذئاب لا تتطور هي الأخرى، لتكون على هيئة الآدميات، وإن بشكل خفي.
دونكيشوت: تقصد أنها تصبح من المخلوقات الباطنية: "ذئبدودوي"؟!
سانشو: كل ملامسة للشر تولدُ حيواناً شبقاً يحاول الاستيلاء على دم الآخرين.
دونكيشوت: كأن دمه لا يكفيه مثلا!
سانشو: بل لأنه يريد تفريغ الأجساد من حبرها الأحمر، والاستئثار بتلك الثروة وحده.
دونكيشوت: أنا دودة ضاع منها مخّها في هذا التيه يا سانشو.
سانشو: وأشد هلاكاً من هذا وذاك، أن يصبح الزمن دودة حمراء يا سيدي الدون!
دونكيشوت: لكل سيف غمدٌ ثانٍ يُسمّى الجسد. ما إن يدخل في سلطانه الحديدُ، حتى يحل الموت.
سانشو: أعرف ذلك يا سيدي الدون. فليس أفظع الأزمنة قهراً من تاريخ السيوف.
***
آبار النصوص
أرضٌ تطير بنا/
ونحن على حائط الحانة نسيل/ شتات شتات/
وحتى يتفتح على اللغات دوشُ البكاء/
إمامُ الزنزانة في الأمام/
وفي حضرته نسيجك النشيج/
فأين يهرب الفم من ماكينات الخياطة/
ونحن بالنيران نسكر/
هائمين في عنق الزجاجة/
ريح قفص/ والمرأة مأوى العجزة/
عقل تنور لم يبلغ سن الرشد/
وعليه ملايين الأجنحة/
وملايين القبائل/ وملايين المنشورات/
ها أنت المضطجع على نسلك/
ومملكتك الربع الخالي/
أهو سبورة مدبوغة باللغة المسمارية... جلدك/
وتئن عليها حروف الهجاء/
أهو كرة البليارد بين الشعوب المناضد... قلبك/
والحكومات عصي من خيزران/
أهو الموت المصبوغ بالأخضر/ ومنه نخترع الربيع للأساطير/
أهو الظلام الكونتيسة/
تأخذها إلى الرقص/
ومنك ساقاك في البئر تسقطان/
وما من متحرك في القلب سوى الرمال
غرفة للغرائز
لا يوجد ما يُسمّى بالصراعات ما بين المدارس الشعرية في العالم العربي، بقدر ما هنالك تجارب تصاب بالجفاف، وتجارب أخرى فيها ماء قليل، وتحاول مصارعة العدم. الشعر العربي دون مدارس بالأصل، كانت له هناك مستنسخات عن مدارس أوروبية فقط، أراد من خلالها التمدد واثبات الهوية، إلا أن ذلك لم يستمر، ولم يحقق هدفاً استراتيجياً، ومثال ذلك تجارب في مصر (أبولو) ومجلة "شعر" في لبنان و"الشعر 69" في العراق وبعض الملامح الحداثوية الأخرى التي حاولت الاجتهاد بصياغة مشروع شعري متكامل، لكنها انتهت إلى خصومات وانسحابات وتجارب محض فردية، منها ما تهوى، ومنها ما ناور، ومنها ما تستر على عقمه ببعض العقاقير لطرد التصحر عن نصوصه.
كان للنقد العربي الدور الأبرز في سقوط المشروع الشعري العربي، بعد أن كرّس نفسه في خدمة رموز وأسماء بعينها، وحجب حبره عن بقية الشعراء، ليموتوا على الرصيف من دون أي عناية، على الرغم من القصور الشديد في بنية النقد وضحالة صلاحية دوره في الخلق والتحديث ومطاردة الظلام.
***
بنك الخيال
كل كلمةٍ بما ملكت من عنبٍ وأبالسة
ووديانٍ للهيام بحثاً عن عشبةِ جلجامش.
