الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

سوريا وحروب العصبيات المعولمة

النائب الدكتور فريد الخازن
سوريا وحروب العصبيات المعولمة
سوريا وحروب العصبيات المعولمة
A+ A-

في سوريا حروب "غب الطلب"، ساحات قتال تتصارع فيها وعليها عصبيات الماضي والحاضر وربما المستقبل. حروب ساخنة، فاترة وباردة، بين مدّ وجذر، يخوضها عدد كبير من الاطراف حول مسائل تبدأ بالمحلي لتصل الى الدولي، والحدّ الفاصل بينها ضبابي ومتحرك. بين الاطراف المحليين، الحرب ساخنة باستمرار، بينما الاطراف الاقليميون يخوضون حروباً موضعية بأهداف محددة، فضلا عن حرب باردة - فاترة بين الدول الكبرى، روسيا واميركا تحديداً، لا تزال مضبوطة في البر والبحر والجو. وفي المعمعة، صعود وهبوط لمؤشر الميدان وتقلبات التحالفات والاوزان. 

في الآونة الاخيرة كان دخول الولايات المتحدة برئاسة دونالد ترامب ساحة المعركة صاروخياً. وعلى رغم الصخب الذي رافق الضربة العسكرية الاميركية، يغلب عليها طابع توجيه الرسائل باتجاه الادارة الاميركية السابقة المترددة وباتجاهات أخرى في سوريا وخارجها، وليس التمهيد لمواجهات عسكرية واسعة. فبعد كلام الرئيس الاميركي عن تبدل الاولويات في الموقف من الرئيس السوري، جاءت الغارة الصاروخية لتستهدف النظام وسياسة داعميه ولتؤكد ان الموقف من النظام تغيّر في الشكل وليس في المضمون. التوافق الاسهل يتمثل بضرب الارهاب، أما المسائل الاخرى فلها حساباتها وشروطها المعقدة.

في العام السابع من الحروب المشتعلة، لم يبق في الميدان سوى الاكثر قدرة وتصميماً. حروب محدودة تتناتشها المصالح والاهواء. هكذا جذبت الساحة الاطراف الدوليين واستهوت الاطراف الاقليميين، وانخرط الجميع في رهانات اعتُبرت رابحة، أو أقله غير خاسرة. تركيا خرجت من غربتها بعدما كانت صلاتها بسوريا محدودة منذ ضمّ لواء الاسكندرون في زمن الانتداب الفرنسي في 1939. وروسيا استعادت دورها وحجزت موقعاً ثابتاً لها بعد تراجع مرحلي اثر انهيار الاتحاد السوفياتي. وايران سارعت الى توطيد علاقاتها مع النظام لتأكيد الروابط الاستراتيجية بين الطرفين. أميركا تجاوزت الاهتمام المحصور بالسلاح الكيميائي في زمن الرئيس أوباما والذي نزع باشراف دولي ليتبين انه لا يزال موجوداً. بعض دول الخليج العربي انخرطت في عملية تصفية حسابات وذهبت بعيداً في تشددها بعد سنوات من العلاقات الوثيقة مع دمشق. واستفاق العالم على الارهاب الداعشي والتنظيمات التكفيرية وانصارها الوافدين الى "أرض الجهاد" السورية من العالم أجمع.

في المحصلة، سوريا ساحة حروب متداخلة تجمع بين النزاع الداخلي والاقليمي بدوائره المتعددة، والدولي الذي استشعر اطرافه بالخطر الفعلي من الارهاب المعولم. طبقات متصلة ومنفصلة في آن واحد لصراعات تجمع بين خيوطها مصالح متناقضة ومواجهات لا يتحكم بمسارها أي طرف تماماً. فموازين القوى مبعثرة والميدان مفتوح لمن يرغب. النظام اهدافه واضحة، شأنه شأن المعارضة بتياراتها وخلفياتها المتعددة. روسيا، صاحبة الدور العسكري والسياسي الوازن، تتجنّب الغرق في وحول ضاغطة. تركيا وايران تلتقيان على حشر الاطراف وتفترقان في الموقف من النظام. هاجس تركيا في المرحلة الراهنة الاكراد وهاجس ايران اميركا والنظام. واشنطن تمتحن أدوات النفوذ العسكري والسياسي مع رئيس غير متمرّس في الشؤون الدولية وادارة تتجاذبها التناقضات. أما العرب فمنقسمون، وان بدت المواقف اكثر اتزانا وواقعية في القمة العربية الاخيرة في الاردن.

حروب وضحايا بعشرات الآلاف لم تكن كافية لوضع النزاع على سكة الحلول الممكنة. النزاعات المسلحة، عندما تطول ولا تحسم، مثلما هي حال النزاع السوري، تتشتت قضاياها ومعها الطموحات والامكانات. فما من طرف قادر على الحسم. والحسم السياسي والعسكري مكلف وغير واضح المعالم. كما ان الهوة بين الطموحات والامكانات تزداد اتساعاً، والطريق لبلوغها عرضة للمطبات وحافلة بالمفاجآت.

الحلول تتأرجح بين جنيف وأستانة، وهي غير ممكنة بلا واشنطن ومفاتيحها غير متاحة بلا موسكو. وقد يكون الحل المطلوب مفتاحه يالطا في شبه جزيرة القرم. يالطا دخلت التاريخ اثر اجتماع زعماء الدول المنتصرة في الأشهر الاخيرة من الحرب العالمية الثانية. أما يالطا اليوم فهي أرض نزاع بين روسيا واميركا والاتحاد الاوروبي. ولا "يالطا" جديدة في أفق حروب سوريا. فإذا كانت ثمة تسوية ممكنة لنزاعات سوريا المتشابكة، ولا سيما بعد التأهب الاميركي المستجد، فلا بد ان تشمل روسيا، الحاضرة بقوة داخل سوريا ومع حلفائها الاقليميين، واميركا العائدة بعد غياب. وقد يكون الممرّ الالزامي للتسوية فك رموز مفاتيح الترابط بين الازمتين المعلّقتين في سوريا وأوكرانيا، وقد تنتج عنها سلة توافقات لجسر الهوة بين جنيف وأستانة. "يالطا" جديدة على القياس قد تفي بالغرض المطلوب.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم