الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

ميشال عون هو رئيس للجمهورية اللبنانية وليس "باش كاتب" فيها

المصدر: "النهار"
أنطوان سعد كرم محام بالاستئناف وأستاذ محاضر في المعهد الوطني للإدارة ENA
ميشال عون هو رئيس للجمهورية اللبنانية وليس "باش كاتب" فيها
ميشال عون هو رئيس للجمهورية اللبنانية وليس "باش كاتب" فيها
A+ A-

بتاريخ 12/4/2017 صدر قرار عن فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية قضى بتأجيل انعقاد مجلس النواب على خلفية إمكان إصدار قانون يمدد ولاية أعضاء المجلس المذكور للمرة الثالثة، وقد أثار هذا الكتاب إشكالاً قانونياً تمحور حول نظريتين:

الأولى: تعتبر هذا العمل كتاباً يتضمن تمنياً غير ملزم لعدم صدوره وفق الأصول. والثانية تعتبره قراراً نافذاً وملزماً لمجلس النواب، ولا صلاحية لرئيس الحكومة أو للوزير أو الوزراء بالتوقيع عليه.

وبين هاتين النظريتين سنسوق ملاحظاتنا، وذلك على الشكل التالي:


أولاً – في معايير القانون الدستوري:

أ‌- في وصف العمل الصادر عن الرئيس:

1- لا يجوز أن نفتش أو نعمل على إيجاد النص الدستوري الملائم لعمل أو إجراء قام به رئيس الجمهورية، إذ إن العمل أو الإجراء الذي يتخذه الرئيس يجب أن يكون منطبقاً على النص وليس العكس، لا سيما متى جاءت صيغة العمل الصادر عن الرئيس إعمالاً لصلاحيةٍ نصَّ عليها الدستور بصورة واضحة، وهذا ما فعله رئيس الجمهورية حين استعمل صلاحيته وفق المادة 59 التي تعطيه حق القيام بإجراء معين، وهي صلاحية وحيدة وواضحة لا تقبل تأويلاً.

2- لو كان قرار رئيس الجمهورية الصادر تطبيقاً لصلاحيته المنصوص عليها في المادة 59 من الدستور هو مجرَّد تمنٍ وحسب، باعتبار أنه صدر بكتاب وليس بمرسوم، وأنه لم يحظَ بتوقيع رئيس الحكومة، لأصبحت المادة 59 تكرراً لما ورد في البند 10 من المادة 53 من الدستور لناحية إمكان وصف الكتاب الصادر عن الرئيس بالرسالة، فطالما أن ما صدر عن رئيس الجمهورية جاء ممارسة لصلاحيته المنصوص عليها في المادة 59 فهو من دون شك قرار ملزم وليس مجرد رسالة تتضمن توصيات.

3- إن خلو الكتاب الصادر عن رئيس الجمهورية من توقيع رئيس الحكومة ليس من شأنه فتح المجال لوصفه بالرسالة. فهذه الأخيرة، وعلى هذه الشاكلة، قد تكون إجراءً مرافقاً للقرار أو لاحقاً له، ولكنها لا تحل محله بشيء وليس لها أحكامه أو مفاعيله. وعلى سبيل الاستطراد، فإن المادة 59 لم تحدد شكل الكتاب الذي يتضمن عبارات التأجيل لانعقاد المجلس. وعليه، فإنه حتى ولو كان الكتاب الصادر تطبيقاً لنص المادة 59 هو "رسالة" موجهة إلى مجلس النواب، فإنها تكون ملزمة عملاً بالنص الدستوري.


ب‌- في مدى وجوب توقيع رئيس الحكومة:

1- لو شاء المشترع الدستوري ربط صلاحية رئيس الجمهورية القاضية بتأجيل انعقاد مجلس النواب، بتوقيع رئيس الحكومة، لكان النص على ذلك قد جاء صريحاً كما في المادة 54 من الدستور، التي نصت على ربط صلاحياته بتوقيع رئيس الحكومة والوزير أو الوزراء المختصين، أو بموافقة الحكومة كما في المواد 55 و56 و58 و85...، أو على سبيل الاطلاع كما في المادة 57... أو بالاتفاق مع رئيس الحكومة كما في المادة 52 و86 والفقرتين 4 و12 من المادة 53...

2- إن إعطاء رئيس الجمهورية صلاحية تأجيل انعقاد مجلس النواب بإرادته المنفردة هو تعبير عن إرادة المشترع بفتح المجال أمام الرئيس لممارسة الدور الذي حدَّدته له الفقرة الأولى من المادة 49 من الدستور كرئيس للدولة ورمز وحدة الوطن والسهر على احترام الدستور... ومما لا شك فيه هو أن دور مجلس النواب كمشترع، فيه كثير من المحاذير التي توجب إعطاء الرئيس مثل هذه الصلاحية بإرادته المنفردة، وبالسرعة التي يتطلبها الموقف القائم.

3- إن صلاحية الرئيس المحدَّدة في المادة 59 وردت في نص خاص تحت عنوان "رئاسة الجمهورية" وبمقتضى مادة مستقلة، وفيها صلاحية واحدة له حق الخيار بممارستها انطلاقاً من دوره وموقعه وفق المادة 49، كما أن نص المادة 59 جاء بعد عدد من النصوص التي رسمت كثيراً من صلاحية الرئيس، وهذا النص أتى مجرَّداً من أيِّ دور للحكومة أو رئيسها، وإنما الدور هو فقط "لرئيس الجمهورية" وفق ما استهل به المشترع المادة 59.

4- لا يقتضي أن نأخذ بالاستنتاج أن ما نصَّت عليه المادة 54 ينسحب على باقي الصلاحيات التي لرئيس الجمهورية، وإلا لأفضى ذلك إلى تجريد الرئيس من حق التفرُّد بممارسة العديد من صلاحياته، لا سيما العديد من تلك التي نصَّت عليها المادة 53 من الدستور.

5- إن نص المادة 59 المعدَّلة مرة واحدة بتاريخ 17/10/1927 لم تتغير باستثناء إبدال عبارة "البرلمان" بعبارة "المجلس"، في حين أن المادة 54 المعدَّلة بتاريخ 21/9/1990 قد أضافت دوراً لرئيس الحكومة في التوقيع على مقررات رئيس الجمهورية (كان فيها دور للوزراء فقط)، أما دور رئيس الحكومة هذا فلم يكن موجوداً عندما حصل التأجيل كواقعة سابقة.

6- إن التطبيق السابق للمادة 59 من الدستور في العامين 1934 و 1936، وتوقيع أمين سر الدولة على مرسومي التأجيل، يحمل في طياته مخالفة دستورية حيث لم يكن لأمين السر آنذاك مثل هذه الصلاحية بمقتضى المادتين 54 و 59. إلا أنه وكما في كل زمن في لبنان، قد يكون الواقع محكوماً بعوامل سياسية أو طائفية أو حزبية... ولو على حساب الصلاحيات الدستورية، وعليه، لا يمكن اتخاذ ما حصل دليلاً أكيداً على صحة التفسير.


ثانياً - في المعايير السياسية:

لا شك في أن شخص الرئيس ميشال عون الذي خبر الحرب اللبنانية كما خبر بالعمق تفاصيل الحياة السياسية في لبنان، وكان أبرز الشهود الذين عاشوا فترة ما قبل اتفاق الطائف وما بعده الذي تم تعديل الدستور على أساسه، يعتبر أن غبناً فاضحاً لحق بحقوق المسيحيين في هذا الاتفاق لا سيما في ما يتعلق بصلاحيات رئيس الجمهورية، فكان الرئيس خلال فترة إبعاده عن الحياة السياسية وعن أرض وطنه، كما كان بعد عودته إلى لبنان، يحمل في قلبه وفكره إضافة إلى القضية الوطنية قضية أخرى مسيحية تتمثل بخلق توازن بين حقوق طائفته وحقوق الطوائف الأخرى، فلم تكن تصريحاته ومواقفه وخطاباته تخلو من الإشارة إلى هذا الخلل.

وقد يبدو من القرار الذي أصدره الرئيس منفرداً والقاضي بتأجيل انعقاد جلسة مجلس النواب، وبالنظر إلى خلفية شخصية الرئيس وخطه السياسي والوطني، أنه يحاول استعادة دور ما لمركز الرئاسة الأولى في علاقتها مع مجلس النواب، خصوصاً بعد إلغاء صلاحيات الرئيس التي كانت تعطيه حق حل هذا المجلس.

وبالمقابل، نرى موقف رئيس الحكومة (المنصب للطائفة السنية) الساكت حيال هذا الموضوع، كما نرى موقف رئيس مجلس النواب (المنصب للطائفة الشيعية) الذي تقبَّل الأمر برحابة صدر، وهو الفقيه العالم بالتفسيرات الدستورية والقادر على اتخاذ القرارات الكبيرة كلما لزم الأمر. فضلاً عن سكوت زعماء طوائف أخرى وازنة في العالمين الوطني والسياسي كموقف الموحدين الدروز مثلاً، لهو دليل على القبول بتفسير وتطبيق نص المادة 59، لأنه كما أثبتت التجربة أن أساس الحكم في لبنان يقوم على ركيزتين هما: الديموقراطية التوافقية، والتوزيع الطائفي العادل.

وهذه المواقف لرؤساء السلطات الدستورية إن دلَّ على أمر فهو يتلخص بقبول قرار رئيس الجمهورية بالنظر إلى شخصه ولموقعه الوطني والشعبي والتمثيلي والطائفي، والاعتراف له بممارسة مثل هذا الحق منفرداً، وتالياً استيعاب الأزمة والشارع، وخلق فرصة للتفتيش عن حل لمأزق قانون الانتخابات النيابية. ولكن مما لا شك فيه هو أن هذا الموقف سوف يشكل سابقة تُتخذ أساساً لممارسة رئيس الجمهورية للصلاحية التي نصت عليها المادة 59، وربما هذا ما أراده فخامة الرئيس.


حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم