كوريا الجنوبية من عمر لبنان... تفوّقت عليه في كل المجالات

بين لبنان وكوريا الجنوبية مفارقة غريبة. نالا استقلالهما في سنوات متقاربة. هي اصبحت دولة تضاهي اهم الدول الاوروبية رقياً وتقدمت الى المرتبة الاقتصادية الرابعة عالمياً، وبقي هو شبه دولة نخرها الفساد والهدر والسرقة والمحسوبيات والافلاس، وتكاد الطائفية تجعلها في خبر كان!  

خلال زيارتنا الى سيوول عاصمة كوريا الجنوبية مع وفد عسكري - مدني مشترك، أهم ما لفتنا أن الإنسان فيها يتمتع بكل ما يحق له من الحرية، وينعم بعيش مكلل بالقيم الانسانية. فهذه الدولة التي استعمرتها اليابان استطاعت بعد تحررها أن تنافس الصناعة اليابانية. وحضارتها لا تغيب أينما حللت، واقتصادها المتين تدعمه ابتكارات عصرية ضاهت أهم الاختراعات والصناعات في العالم. أم شعبها فلا حدود لطموحاته، إذ يستيقظ المواطن الكوري في السادسة صباحاً، يتناول فطوره عند السابعة، ويتوجه الى عمله وسط زحمة سير لا تكبلك، بل تقودك بأمان إلى مركز عملك الذي يستمر من الثامنة حتى الخامسة بلا تلكؤ. الأمر نفسه ينطبق على الغداء المحدد موعده في الثانية عشرة، والعشاء الذي لا يتعدى السابعة. وهذا النظام لا يخترق.

وأنت تسير في شوارع سيوول وغيرها من المدن تلاحظ انتشار الكاميرات التي تراقب الشوارع والمباني وحتى الغابات. أفواج المتوجهين إلى أعمالهم لا تردعهم زحمة السير. الاشارات الضوئية تنظم السير بجدارة. لا جندي أو شرطي في الشوارع والأحياء. لا أصوات لأبواق السيارت، لا سيارات متسخة (تدفع غرامة في حال كانت سيارتك كذلك)، الهدوء في مهب الحركة خطوة.

أما النظافة فهي فعل إيمان لدى الكوريين، والغرامة عن كل ورقة ترمى في الشارع 25 دولاراً، وإذا كانت غير قابلة للتدوير ترفع الغرامة الى 100 دولار. وهنا دار في مخيلتنا نحن اللبنانيين الزائرين سؤال طالما حيَّرنا ولا يزال: أين ينقلون نفاياتهم ومتى وكيف، إذ لم نصادف أكياس نفايات في الشوارع. المحارق هي الحل العصري وصمّام الأمان.

لا شيء يقلق راحة الإنسان الكوري، فالرئيسة السابقة على أبواب السجن والانتخابات على ابواب الوطن، ولا أحد يكترث. الجارة كوريا الشمالية متأهبة والمنطقة على صفيح ساخن، ولا أحد يكترث. للمدنيين أعمالهم وللجيش القدرة على الردع. القدرة الشرائية مرتفعة نتيجة الحد الأدنى الذي يناهز 3 الاف دولار. الأعلام الأميركية تعانق الكورية في الساحات وفي المنشآت العسكرية. اكثر من بلد ساهم في إعمار كوريا الجنوبية، لكن الكوريين نهضوا وحققوا المعجزات في وقت قصير.

الحياة الأسرية لم يخترقها أبغض الحلال. نسبة الطلاق في بلد يضم نحو 50 مليون نسمة لا تتعدى الـ 15 في المئة. الحد الأدنى للأجور (زهاء 2500 دولار) جدير بحياة تليق بشعب لا يفكر الاّ بمستقبل أبنائه.

كوريا المعابد التاريخية والاضرحة الملكية والقصور، من الدول الرائدة في صناعة تكنولوجيا المعلومات. سيارات من اشهر الطرازات، منتجات بترولية، هواتف خليوية رائدة، اجهزة الكترونية متطورة جداً، قوة بشرية متعلمة ومدرّبة ومدركة لأهدافها. ناطحات سحاب، احدث التقنيات، اهم الشركات.

حققت كوريا الجنوبية على مدى أربعة عقود، نمواً اقتصادياً مذهلاً.

كوريا الجنوبية شكراً على المساعدات التي قدمتها إلى جنوبنا اللبناني. وتحية واحتراماً لدولة عملت بكد واجتهدت رغم الحرب الأهلية مع جارتها الشمالية مما أدى إلى خسارتها نحو 50 الف شهيد. لكن هذه الحرب لم تهزّ عزيمتها او تخفّف اندفاعتها، بل كانت حافزاً لها كي تتقدم وتنمو وتزدهر حتى اضحت "معجزة شرق آسيا".