الثلاثاء - 16 نيسان 2024

إعلان

"أبو سليم" في عمر الـ90... عالم يجهله البعض: "الدراما اللبنانية تُباع بفرنكين"

المصدر: "النهار"
إسراء حسن
إسراء حسن
"أبو سليم"  في عمر الـ90... عالم يجهله البعض: "الدراما اللبنانية تُباع بفرنكين"
"أبو سليم" في عمر الـ90... عالم يجهله البعض: "الدراما اللبنانية تُباع بفرنكين"
A+ A-

باللكنة الطرابلسية العتيقة لا يزال صوت الممثل صلاح تيزاني قوياً ومتجدداً. وفي عيده التسعين يتمسك بمقولة "من يقسو على شبابه تقسو عليه شيخوخته". في ذاكرته أرشيف من المحطات التي يستمتع بسردها كل مرة بأسلوب تحكمه مزاجيته.

يُجمع من يواكب "أبو سليم" أنه عرّاب نقابة ممثلي المسرح والسينما والاذاعة والتلفزيون التي فتح لها منزله في الكولا قبل أن تنتقل إلى مركزها الرئيسي اليوم في بدارو. ومن فاتته المعلومة، فإنّ أبو سليم هو أمين صندوق نقابة الممثلين ويعمل إلى جانب النقيب جان قسيس بما أوتيا من وسائل للخروج بصندوق للتعاضد للفنان يحفظه سواء في شبابه أو شيخوخته، ويطالب بفرض الضرائب على الفنانين الأجانب كما تفعل الدول العربية.

مكتبة "أبو سليم"

يتحدّث تيزاني لـ "النهار" وفي صوته صرخة فنّية بامتياز، تشفق على ما آلت اليه حال الفن اليوم، ويعتب على الدولة اللبنانية التي قررت وضع الفن في لبنان على الهامش، ومسرور لأنّه استطاع أن يؤمّن في حياته على أرشيفه بعدما سلّمه الى مركز "فينيكس" للدراسات في جامعة الروح القدس – الكسليك الذي اتخذ قراراً بانشاء مكتبة باسم "ابو سليم".

منذ أيام احتفل أصدقاء أبو سليم بعيد ميلاده الـ 90 وتلقّى المعايدات الخاصة من اولاده كما أحفاده، لاسيّما من حفيدته ناسيا التي تعيش في روسيا، وعايدت جدّها باللغة الانكليزية، وبذلك يكون قد أتم 57 عاماً من العطاء الفني نختصرها في هذه المقابلة:

- ما الشرارة التي دفعت أبو سليم للاتجاه إلى عالم التمثيل؟

في عمر الأربع سنوات، كنت أشارك في حفلات نهاية العام الدراسي، وبدأت التمثيل في مسرحية خاصة بالأطفال ولاحظت تصفيق الجمهور لي، فلفتني هذا العالم. دخلت بعدها المدرسة الايطالية في فترة الحرب بعدما أقفلت جميع المدارس خلال الحكم العثماني ايام الرئيس اميل اده، فتوسعت حينها آفاق التمثيل لديّ نظراً الى النشاطات الفنية المكثّفة حيث كنّا نقيم المسرحيات وبدأت رغبتي في التمثيل تتوضّح.


وفي عام 1940 انتقلت إلى المدرسة الأهلية بعد اقفال المدرسة الايطالية ودخول ايطاليا في الحرب، وكان رئيسها ومديرها رئيس حزب "النجّادة" سالم كبّارة، فانضممت إلى كشافة النجادة وشاركت في حفلات السمر حول نار المخيمات الكشفية واكتشفت رغبتي أن أدخل عالم الفن على قدر الامكانات المتاحة لي.

في عام 1952، سافرتُ إلى بوخارست، وشاركت في مهرجان الشبيبة العالمي ومثّلنا لبنان، في حضور الشاعر الكبير أسعد سعيد والفنانة تحية كاريوكا وفنانين من البلدان العربية، وألّفنا فرقة تمثل الأقطار العربية وعندما عدت إلى لبنان أسست فرقة "كوميديا لبنان" وبدأت بتنظيم الحفلات والمسرحيات في طرابلس، ونقلت نشاطاتي المسرحية إلى التلفزيون عبر تلفزيون لبنان. وسبب تحقيق النجاح التلفزيوني يعود إلى أننا كنّا نؤدي أدواراً لطالما تدربنا عليها في الحفلات. بعدها توّزع نشاطي الفني بين المسرح والإذاعة والسينما والتلفزيون وبدأت بكتابة المسرحيات لمدة 57 عاماً.

- كم تملك من الطاقة اليوم للاستمرار في العطاء الفني؟

"من يقسو على شبابه تقسو عليه شيخوخته"، المجتمع الطرابلسي بطبيعته محافظ، وأذكر أنني في عمر الأربعين وعندما أتيت إلى بيروت "ما كنت بعرف شي من شي"، هنا تعلمت وثقّفت نفسي في العاصمة التي احتضنتني فترة 45 سنة ولي الشرف.

- ماذا عن سيرة حياة أبو سليم وأرشيفه، من يصونها؟

أصدرت منذ نحو 5 سنوات كتاب "أيام من ذاكرتي" يحوي كل ما له صلة بسيرة حياة "أبو سليم". وأكشف لأول مرّة عن أنّ أرشيفي الفني أصبح بأمان بعدما أنقذته جامعة الروح القدس – الكسليك وتحديداً مركز "فينيكس" للدراسات اللبنانيّة، وذلك من مصير رميه في مستوعب النفايات. أرشيفي يحوي نحو 60 ملفاً ونحو 220 حلقة تلفزيونية. لقد أصبح لصلاح تيزاني مكتبة خاصة في جامعة الكسليك باسم "أبو سليم" تمّ حفظها على درجة عالية من الاحترافية.

أرشيف "أبو سليم"

وأطلع قسم البحوث في مركز فينيكس "النهار" على مراحل العمل التي تمّت بعد استلام أرشيف صلاح تيزاني (أبو سليم):

1. تنظيف الأرشيف وتعقيمه بغية القضاء على الحشرات الدقيقة والقوارض للحد من الضرر والتلف الحاصل من دون التأثير على أصل المستندات.

2. وضع خطة تصنيف وإعطاء رقم لكل وثيقة لتسهيل عملية البحث عنها لاحقاً.

3. تحليل كل وثيقة وإدخال المعلومات اللازمة في شكل مختصر على قاعدة بيانات.

4. تصوير كل ورقة على حدا، وإدخال البيانات على نظام رقمي يسهل عملية البحث لاحقاً.

5. حفظ الارشيف النهائي في أماكن خاصة، والحفاظ على مستويات الرطوبة والحرارة، لتمكين الباحثين والطلاب على التعامل مع المواد.

- الدراما اللبنانية مليئة بالأدوار المناسبة لأبو سليم، لماذا أنت غائب عنها؟

المنتجون الذين يديرون الانتاج الفني لا يفكرون بالفن، من يأتي إليهم بقصة ينفذوها حتى من دون دراية بعمقها ويصوّرون الحلقات القائمة على الارتجال بالارتجال. والأمر الأهم من هذا كله الاتعاب التي يتلقاها الممثل اللبناني بـ"القطّارة" مقارنة بالممثل العربي والأجنبي. فهؤلاء المنتجون لا يفكرون بأنّ القصة الدرامية يجب أن تضم فنانين من كل المراحل العمرية وهذا الأمر نراه في الدراما التركية والسورية والمصرية التي تحقق النجاح المنشود وتجذب المحطات لشرائها بأعلى الأثمان في حين تفقد الدراما اللبنانية هذه القيمة فتباع بـ"فرنكين".

- إذاً، أمام هذا الواقع من يحمي التمثيل؟

نحن في نقابة الممثلين لا نملك صلاحية سوى أن نحافظ على الممثل ونؤمّن له حقوقه ونساعده مادياَ وطبياً، فالنقابة ليست دولة لتفرض قانوناً على الاجانب اسوة بالبلدان العربية. هو أمر لا يطاق، من يريد ان يعمل في لبنان عليه أن يدفع ضريبة أو متوجبات للنقابة. تقصير الدولة لا يشمل الممثلين والمغنيين والموسيقيين فحسب بل الرياضيين والشعراء والنحاتين والرسامين. نريد دولة يحكمها مثقفوها لا أميوها وإقطاعيوها. والدول تبنى بعظمائها ومفكريها ومثقفيها ورجالها وليس اقطاعييها والانتهازيين.

- هل ندمت على دخولك حقل التمثيل؟

"ندمت وما ندمت". ندمت لأنني عشت في زمن لا يقدّر فيه الفن وليس له قيمة عند المسؤولين حتّى يمكّنوا هذا الفنان على الاستمرار. ولم أندم لأن حب الناس ومعزتهم للفنان لا يقدران قيمة محبتهم. أفرح عندما ألاحظ أنني أحوّل "العبسة" إلى ابتسامة، هذه نعمة من نعم الله. ليس عيباً أننا في لبنان لا نملك مسرحا وطنياً حتى لا نقول دار أوبرا، ومن الجيد انه لدينا مسرح الاونيسكو. وأذكّر أنّ هناك مسرحاً مشيّداً على الطريقة الفرنسية "تياترو" اصبح سجناً للطيور، هو مسرح صغير لكنه مجهز.

- تؤوّل صرختك وتفسّر بين الشق المادي والمعنوي والفني!

"ما بتفرق معي الصرخة، شو ما بدن يقولوا يقولوا"، الحقيقة ظاهرة، لم يعد لي في هذه الدنيا شيء، كم سأعيش بعد، من هم أصغر منا من الفرقة تركونا وراحوا وليس لدي طموح بشيء. أقاتل إلى جانب الممثلين حتى نستطيع ان نترك بصمة يسير على أساسها الفنانون. هي مرحلة عذاب ولكن هذه حال الدني.




حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم