الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

المادة 59: فقدان الآلية التنفيذية

عيسى نحاس
المادة 59: فقدان الآلية التنفيذية
المادة 59: فقدان الآلية التنفيذية
A+ A-

يثير استعمال فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية ليل 12 نيسان 2017 المادة 59 من الدستور اللبناني وتأجيل انعقاد مجلس النواب شهراً واحداً إشكاليات سياسية ودستورية تذهب إلى حد التساؤل حول دستورية الخطوة. 

في الواقع إن نص المادة 59 من الدستور واضح إذ ورد فيها حرفياً:

" لرئيس الجمهورية تأجيل انعقاد المجلس إلى أمد لا يتجاوز شهرا واحدا وليس له أن يفعل ذلك مرتين في العقد الواحد."

المادة 59 وجدت مع وجود الدستور اللبناني عام 1926 ولم يصبها أي تعديل إلا التعديل التقني في العام 1927 بإبدال كلمة برلمان بكلمة مجلس تماشياً مع الغاء مجلس الشيوخ بحيث حلت عبارة "المجلس" بدل "البرلمان". إلا أن محاضر مناقشة الدستور اللبناني في العام 1926 ومجموع نصوص الدستور والعرف الدستوري تفرض نفسها للنظر في مدى دستورية الخطوة المتخذة. 

1- بالعودة إلى محاضر مناقشة المادة 59 في العام 1926 يتبين أن الهدف من هذه المادة خلق توازن بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية. ويقول بترو طراد في جوابه على اعتراضات بعض النواب على إقرار المادة 59 أن هذه المادة أتت لتخلق التوازن إزاء حق غالبية مجلس النواب فرض فتح دورة استثنائية بموجب المادة 33 من الدستور. إذن المادة 59 هي موضوعة أصلاً لمصلحة السلطة التنفيذية مجتمعة وكانت السلطة التنفيذية متمثلة برئيس الجمهورية منفرداً قبل تعديلات الطائف. أما بعد تعديل الدستور اللبناني في الطائف، فمن البديهي ان هذه الصلاحية أصبحت منوطة بالسلطة التنفيذية مجتمعة.

2- نصت المادة 54 من الدستور اللبناني على ما حرفيته:

"مقررات رئيس الجمهورية يجب أن يشترك معه في التوقيع عليها رئيس الحكومة أو الوزراء المختصون ما خلا مرسوم تسمية رئيس الحكومة ومرسوم قبول استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة.

أما مرسوم إصدار القوانين فيشترك معه في التوقيع عليه رئيس الحكومة."

كما نصت الفقرة الرابعة من المادة 64 من الدستور المتعلقة بصلاحيات رئيس مجلس الوزراء على ما يلي:

"يوقع مع رئيس الجمهورية جميع المراسيم ما عدا مرسوم تسميته رئيسا للحكومة ومرسوم قبول استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة."

اذن الدستور حسم الأمر فمقررات رئيس الجمهورية يشترك بالتوقيع معه عليها رئيس الحكومة وبشكل مراسيم ومن ضمنها الصلاحية المنصوص عنها في المادة 59 من الدستور.

3- إن العرف الدستوري تماشى مع هذا المبدأ إذ صدر مرسومان بالسابق قضيا بتأجيل انعقاد مجلس النواب وفقاً لصلاحية رئيس الجمهورية المنصوص عنها في المادة 59 من الدستور. فبتاريخ 11 أيلول 1934 صدر المرسوم رقم 829 والذي قضى بتأجيل انعقاد الدورة الثانية لمجلس النواب شهراً واحداً اعتباراً من الثلاثاء 16 تشرين الأول 1934. وقد وقع المرسوم المذكور في حينه رئيس الجمهورية حبيب باشا السعد ورئيس الحكومة عمر بيهم.

كما صدر بتاريخ 14 آذار 1936 المرسوم 202/Eوالذي قضى بتأجيل انعقاد دورة مجلس النواب لعام 1936 شهراً واحداً اعتباراً من الثلاثاء 17 آذار 1936. وقد وقع المرسوم المذكور في حينه رئيس الجمهورية اميل إده ورئيس الحكومة أيوب ثابت.

إذن العرف الدستوري مستقر كذلك حتى في ظل دستور الجمهورية الأولى على أن تأجيل انعقاد مجلس النواب يتم بمرسوم يوقعه رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة.

اذن، لم يصدر مرسوم نافذ بتأجيل انعقاد مجلس النواب. لكن بمجرد رسالة فخامة الرئيس برغبته بتأجيل انعقاد مجلس النواب لشهر واحد استناداً إلى المادة 59 من الدستور، تجاوب رئيس مجلس النواب ودعا إلى جلسة جديدة لمجلس النواب بتاريخ 15 أيار 2017.

لكن يجدر التساؤل عن موقف رئيس مجلس الوزراء الملتبس. فهو لم يوقع على مرسوم تأجيل انعقاد مجلس النواب شهراً واحداً من جهة، وهو لم يعارِض فخامة الرئيس في رسالته وإن لم تقترن بمرسوم نافذ.

يفتح موقف رئيس الحكومة علامات استفهام دستورية حول الزامية المادتين 54 و64 فقرة رابعة من الدستور اللبناني. وقد تتيح في المستقبل استنباط حالات منفردة لمقررات رئيس الجمهورية غير مرسوم تسمية رئيس الحكومة ومرسوم اعتبارها مستقيلة لإعادة التوازن في الصلاحيات ضمن السلطة التنفيذية...

عيسى نحاس- محامٍ

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم