السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

جمعية "حركة الارض" وجمعيات المجتمع المدني

عبد اللطيف فاخوري
A+ A-

من يطالع الجريدة الرسمية يلفت نظره ان وزارة الداخلية اخذت في سنة علماً وخبراً بتأسيس عدد من الجمعيات فاق ستة عشر الف جمعية. ولكن هل تدقق وزارة الداخلية بأهداف الجمعية؟ اذ يحق لها الامتناع عن اخذ العلم والخبر، ويحق لوزارة الداخلية رفض اخذ العلم اذا ظهر ان غاية الجمعية مخالفة للدستور وللقانون وللعيش المشترك ولحقوق الانسان.


من المعروف ان نظام الملل العثماني ترك لكل مجموعة دينية ان تنظم امورها بنفسها ولاسيما في الامور الصحية والتربوية والاحوال الشخصية مما لا نزال نعاني من آثاره السيئة، بحيث اصبح لكل طائفة مستشفياتها ومدارسها وجامعاتها وأنظمتها العائلية.
وكان من الآثار السيئة ما قرأناه في الجريدة الرسمية بالعدد 27 تاريخ 20/6/2013 بيان علم وخبر رقم 1080 بتأسيس جمعية باسم "حركة الارض". والخطير ما جاء في غاية الجمعية مما يخالف الدستور والقانون والعيش المشترك والانتماء الوطني.
فقد جاء في البند الاول ان غاية الجمعية "المساهمة في التصدي للتغيير الديموغرافي في لبنان". ونص البند الثاني على "العمل على منع بيع اراضي المسيحيين عبر التوعية وعقد المؤتمرات". ونص البند الرابع على "المساهمة في الدفاع عن الوجود المسيحي في اراضيهم". ومن نافل القول بأننا من المؤمنين والعاملين والمتشبثين بالدفاع عن الوجود المسيحي في لبنان لا في اراضيهم فحسب. وبالتصدي للتغيير الديموغرافي على مستوى لبنان كله. أما عن منع بيع اراضي المسيحيين بصيغته التي ورد فيها في نظام الجمعية فهو مخالف للدستور والقانون.
ففي مقدمة الدستور ان "لبنان ملتزم بالاعلان العالمي لحقوق الانسان وان نظامه جمهوري يقوم على احترام الحريات العامة... وعلى المساواة في الحقوق والواجبات... وان نظامه الاقتصادي حرّ يكفل المبادرة الفردية والملكية الخاصة". ونصت الفقرة (ط) على أن "ارض لبنان واحدة لكل اللبنانيين فلكل لبناني الحق في الاقامة على أي جزء والتمتع به في ظل سيادة القانون فلا فرز للشعب على اساس أي انتماء كان".
وفي المادة 11 من قانون الملكية العقارية اي القرار 3339 الصادر بتاريخ 12/11/1930 "ان الملكية العقارية هي حق استعمال عقار ما والتمتع والتصرف به ضمن حدود القانون والقرارات والانظمة". ومن المتفق عليه ان التصرف يشمل جميع اعمال التصرف مادياً بتغيير شكل الشيء، أو قانوناً بالتنازل عن الحقوق التي للمالك كبيع الشيء كله أو بعضه او هبته او رهنه او التأمين عليه. كما قرر قانون الموجبات والعقود النافذ منذ 11/10/1943 في المادة 166 منه بأن "للأفراد ان يرتبوا علاقاتهم القانونية كما يشاؤون بشرط ان يراعوا مقتضى النظام العام والآداب العامة والاحكام القانونية التي لها صفة الزامية".
وهكذا يتبين ان بعض البنود الواردة في جمعية "حركة الارض" مخالفة للمبادىء والنصوص المشار اليها وبالتالي فإنه وفقاً للمادة الثالثة من قانون الجمعيات العثماني/ اللبناني لا يجوز تأليف جمعيات مستندة على اساس غير مشروع مخالف لأحكام القوانين والآداب العمومية او التفريق بين العناصر المختلفة (للشعب).
لم يعرف لبنان حتى في زمن الفتن الطائفية بعد سنتي 1840 ثم 1860 دعوات لمنع انتقال الاراضي بين الطوائف. وقد أشرنا على سبيل المثال في "النهار" (7/3/2012) الى وثيقة تعود الى سنة 1850 وفيها ان ميخائيل جبور الشويري باع الى يوسف حنا الدبس بستانه في حي الصيفي وقد "اشترط البائع على المشتري انه اذا باع هذا الاخير البستان لأحد من تبعة دولة من الدول المتحابة او الى الدول المتمتعة بامتيازات الحماية، يصبح البستان وقفاً على الجامع العمري في بيروت" (الدول المتحابة هي دول الإنكليز والنمسا وروسيا وبروسيا). يذكر انه في سنة 1824 "وقفت مريم الراهبة بنت موسى الحداد بستانها في محلة الدحداح على فقراء طائفتها وعند إنقطاعهم على الحرمين الشريفين". ولا حاجة لذكر مئات الوقفيات التي قدمها أصحابها مسلمين ومسيحيين وخصص ريعها للفقراء من جميع الطوائف. ولا حاجة لذكر وثائق البيوعات العقارية من المسلمين الى المسيحيين وبالعكس.
ان جمعية "حركة الارض" تؤسس لغيتو مرفوض وقد تشكل بدعة سيئة، واذا ما تم السير بها وتعميمها فقد يأتي زمن يمنع فيه على مواطن يملك عقاراً في زوق مصبح ان يبيعه الى مواطن آخر من زوق مكايل، وان مالك قطعة أرض برأس بيروت يمنع من بيعها الى ساكن في رأس النبع. ويمنع نقل عقارات بين البسطتين والنبطيتين (الفوقا والتحتا). بما يذكرنا بما كانت عليه بيروت يوم كانت مقسمة بين مناطق سميت كل منها مزرعة مثل مزرعة المصيطبة، مزرعة الاشرفية إلخ. ويومها تقدم خاطب من رأس بيروت بطلب يد صبية من المصيطبة فرفض أهل الصبية الموافقة لما يشكل انتقال الصبية الى بيت الزوج من "الغربة".
وإذا ما سرنا بما تدعو اليه الجمعية المعترض عليها فلا عجب إذا عشنا لنشهد ولادة جمعية خاصة بمنع بيع أملاك اللبنانيين من الروم الارثوذكس إلاّ للأرثوذكس، وثانية تمنع بيع أملاك الروم الكاثوليك إلا للكاثوليك، وثالثة خاصة بأملاك الموحدين الدروز ورابعة بأملاك السنة وكذلك للشيعة وبقية المذاهب والملل والنحل. وأن يأتي يوم يصبح طلب شراء وتملك عقارٍ معلقاً على توافر مستندات منها أن المشتري هو من طائفة أو مذهب البائع نفسه ومن مكان اقامته ذاتها. وإفادة من الرئيس الديني باتمام الواجبات الدينية وايضاً إفادة من جمعية "حركة الارض"؟ وماذا تعمل الجمعية إذا طرح عقار بالمزاد تسديداً لدين، فهل يمنع على من هو من غير طائفة مالك العقار الاشتراك بالمزايدة؟
منذ سنوات ونحن نقرأ ونسمع عن حوار إسلامي مسيحي – وهو أمر جيد – فتقام مؤتمرات وتعقد ندوات وتلقى خطب ودراسات وتوزع دروع وأوسمة وينتهي الامر بتصفيق حاد وطويل (كما كان يحصل في مؤتمرات الاتحاد السوفياتي الطيب الذكر؟) ورغم كل ذلك لا يزال ذلك الحوار يفرز جمعيات مثل جمعية "حركة الارض"؟
تقوم الوظيفة الايديولوجية للجمعيات على تقوية الانتماء الوطني وتعزيزه. وان كانت الجمعيات قد تكاثرت في المدة الاخيرة بما يثير الشك حول صحة هذه الظاهرة، الا ان المطلوب منها أن تعمل بالتنسيق والتعاون في ما بينها لتتكامل في ما تقوم به لمصلحة الوطن على قاعدة العزف المنفرد ضمن السيمفونية كما ذكر الفيلسوف ليبنتز (1646 – 1716). فالمطلوب من كل جمعية أن تعزف عزفاً منفرداً ولكن ضمن سيمفونية الوطن بعيداً من التعصب والطائفية والمذهبية والمناطقية.
فنأمل من معالي وزير الداخلية أن يعيد النظر بالعلم والخبر الذي أخذه من جمعية "حركة الارض" ويطلب حل الجمعية اذا لم تقم بتعديل غايتها.


محام ومؤرخ

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم