الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

بين الضريبتين السياسية والاقتصادية: انفصام في الشخصية

المصدر: "النهار"
ليال منصور- أستاذة في الجامعة اللبنانية
بين الضريبتين السياسية والاقتصادية: انفصام في الشخصية
بين الضريبتين السياسية والاقتصادية: انفصام في الشخصية
A+ A-

لا بُدَّ عند مقاربة موضوع الضريبة من وضعها في إطارها العلمي السليم. فالضريبة في لبنان تقارب، ويا للأسف، من وجهة نظر سياسية، طائفية، وفي أغلب الأحيان مصلحية. إلاّ أنها لا يمكن وضعها في إطارها الصحيح إلاّ من خلال مقاربة اقتصادية علمية مؤسسة على النظريات والدراسات والتأثيرات المختلفة التي يمكن أن تحدثها على اقتصاد الدولة. فالضريبة ممكن أن تشكل عنصر إنقاذ كما يمكن أن تكون عنصر هدم وضرب للنمو الاقتصادي في بلد معين. فالضريبة ليست وسيلة لجبي الأموال فقط، فهي تطورت عبر الأزمان واكتسبت أشكالاً مختلفة وأصبحت من دعائم الاقتصاد لجهة التنمية الاقتصادية والحماية الاجتماعية. فعند مقاربة الضريبة لا بُدّ من التطرق إلى ثلاث نقاط أساسية، فالأولى هي ضريبة الدخل وروحية هذه الأخيرة تنبع من واقع أن الدولة قد قدمت خدمات للمواطن منذ ولادته حتى أصبح فرداً منتجاً لا سيما لجهة المدارس والطبابة والجامعة وتأمين فرص العمل ليصبح بدوره ملزماً بأن يدفع جزءاً من دخله للدولة حتى تستطيع هذه الأخيرة الاستمرار في تقديم نفس الخدمات وتطويرها للأجيال القادمة. فكل سياسة اقتصادية ناجعة تعود بالنفع على الأجيال القادمة، وكل سياسة فاشلة تعود بالفشل على المجتمع بأعماله.


 


وتطورت الضريبة نحو معايير أكثر اجتماعية فأصبحت تعفى الفئات المحدودة الدخل من الضريبة ويتصاعد التكليف وفقاً لزيادة دخل الفرد.
أما ثانياً، فثمّة الضريبة على السلعة التي يكون الهدف منها غالباً حماية الإنتاج الوطني الزراعي (Produit Terroir) من المنافسة الخارجية أو تعزيز دور قطاع من القطاعات سواء بالإعفاءات أو بفرض الضريبة، وتطور فن الضريبة حتى تصبح أكثر حماية للمجتمع. وعلى كل من يسبب أذية لنفسه أو المجتمع، حتى لو عمله مشروع، أن يدفع ضريبة على ذلك. فالمدخن، مثلاً، عليه أن يدفع ضريبة على ما يتسبب به التدخين من أمراض له ولمحيطه... فحتى تكون السياسة الضرائبية ناجحة لا بُدّ من أن تكون مؤسسة على أُسس علمية واضحة مع دراسة تأثيرها على المديين القصير والطويل.
في لبنان، ويا للأسف، هناك صعوبة فائقة في استنباط القواعد التي على أساسها تفرض الضرائب، ولكن هل هي مبنية على دراسات؟ أستطيع القول إن العشوائية والفوضى هما السمتان الغالبتان على السياسات الاقتصادية.
"فالانفصام في الشخصية"... ظاهرة واضحة عند الدولة اللبنانية، فمن جهة ومنذ مدة ليست ببعيدة عمد المصرف المركزي اللبناني برئاسة الحاكم الدكتور رياض سلامة إلى دراسة واقع القطاع العقاري وخرج بإجراءات عدة تهدف إلى تحفيز هذا القطاع ومساعدته في تجنب تدهور الأسعار لا سيّما أن هذا القطاع يعاني تأثير الانكماش في الاقتصاد اللبناني.


 


فعمد بالتعاون مع المؤسسة العامة للإسكان، مصرف الإسكان، وكذلك المصارف التجارية إلى خفض الفوائد على القروض العقارية بهدف تحفيز الطلب. ولا بد من التنويه بهذه الخطوة، لأن إحدى أنجع الوسائل لمحاربة الانكماش هي تخفيض الفوائد لتشجيع الاستثمارمن جهة، ومن جهة أخرى نرى الحكومة اللبنانية تعمد إلى فرض ضرائب إضافية على القطاع العقاري تؤدي إلى رفع سعر العقار والحد من الطلب. فعلى سبيل المثال:



- تم استحداث ضريبة 15% على الأرباح العقارية.
- إضافة ستة آلاف ليرة لبنانية على طن الإسمنت.
- و1,5% على القيمة التخمينية لاستصدار رخص البناء.
هـذا بطريقة مباشـرة، أما بطريقة غير مباشرة فقد رفع رسم التسجيل من 5,5% إلى 6,5% وزيادة رسوم العقود من 3/1000 إلى 4/1000، إضافة إلى الزيادة على رسوم كتاب العدل. تدعي الحكومة بأن هذه الضرائب لن تطال سوى المطورين العقاريين وليس المستهلكين من الطبقة المتوسطة والفقيرة، وهذا الكلام مردود. فكل زيادة على سلعة يتحملها المنتج، فإما أن يعمد إلى رفع سعرها خلافاً لمنطق السوق فتؤدي إلى خسائر أو أن يتحملها من أرباحه فيعمد إلى تقليص استثماره وتقليص عدد العاملين لديه أو الحد من التوظيف في أحسن الأحوال. وفي جميع هذه الحالات المتضرر الأكبر هو الطبقة المتوسطة والمحدودة الدخل. فهل من تفسير لهذه الازدواجية في المقاربة؟ فالانفصام في الشخصية عند الحكومة لا يقف عند هذا الحد. ففي مثال آخر عمدت الحكومة إلى رفع الضريبة على فوائد الإدخار من 5% إلى 7% في خطوة قد تكون إيجابية للحد من الإدخار وتحويل وجهة الأموال نحو الاستثمار، وفي المقابل رفعت الضريبة على أرباح الشركات من 15% إلى 17%؛ فمن جهة نريد استثماراً ومن جهة أخرى تثقل الشركات بضرائب إضافية في بلد يعاني انكماشاً اقتصادياً واضحاً.



ويجب أن لا ننسى أن رفع الضريبة على فوائد الإدخار قد يؤدي إلى مخاطر جمة لناحية هروب رؤوس الأموال أو لجهة حرمان المتقاعدين من عوائد تعويضاتهم كمدخرات في البنوك والتي يعتمدون عليها بشكل أساسي في معاشهم.
أما المثال الأوضح على العشوائية في الضريبة هي 250 ليرة أضيفت على علبة السجائر و500 ليرة على السيجار، فما هو الهدف من هذه الضريبة لا سيّما أنها ليست نسبية ولا تتناسب مع فروقات الأسعار بين السجائر والسيجار والتنباك، فحتى ولو كانت هذه الضريبة هي خطوة في الطريق الصحيح إلا أنها غير واضحة لجهة النسبة والتناسب.


فالتدخين هو من السلع التي تستطيع الدولة رفع الضرائب عليها حتى 100% دون أن تخشى تراجعاً في الاستهلاك بشكل ملحوظ نظراً إلى كون هذه السلعة هي من السلع التي يدمن عليها المستهلك، وأثبتت ذلك أغلب الدراسات وهذه الزيادة تعود بالنفع الصافي على خزينة الدولة.
وإن أي تراجع ولو بسيط في الاستهلاك ينعكس إيجاباً على الفاتورة الصحية ويدخل في صلب التنمية المستدامة، فلا ضير من أن يدفع المستهلك ثمن إيذاء نفسه وإيذاء من حوله.



أما زيادة الضريبة على القيمة المضافة نسبة 1% أخشى ما أخشاه أن تكون هذه الزيادة البسيطة نسبياً هي خطوة على طريق الوصول بهذه الضريبة إلى 15% خلال السنوات القادمة. ولا بد هنا من شرح آثار هذه الزياة على الاقتصاد.
فبعكس المفهوم الشعبي في ما يتعلّق بالضريبة على القيمة المضافة، فإن من تحمل الجزء الأكبر منها هو المنتج. فهذه الضريبة تؤدي إلى رفع سعر السلعة خارج قواعد السوق القائمة على العرض والطلب، وهذا الارتفاع يؤدي إلى تراجع في الطلب فيتحمله المنتِج من أرباحه أو من خلاله تقليصه لاستثماره وغالباً ما ينعكس على المستهلك.
وقد يقول قائل بأن هناك نحو 90 في المئة من السلع معفاة من هذه الضريبة ولكن العناصر المكونة للسلعة من نقل وتوضيب وتخزين وعمالة تخضع كلها للزيادة فتعكس زيادة في كلفتها.
يضاف إلى ذلك بأن العملة اللبنانية لا تحتمل التجزئة فأصغر وحدة فيها هي 250 ليرة، فالزيادة 1% ضريبة على القيمة المضافة سوف تنعكس زيادة أكبر. فلنفترض أن السلعة هي شوكولاتة ثمنها ألف ليرة لبنانية يصبح بعد الزيادة ثمنها 1100 ليرة يعني في الواقع الثمن سيصبح 1250 ليرة، فإما يتحمل المستهلك هذه الزيادة الكبيرة أو يتحملها المنتج وفي جميع الأحوال فإن انعكاس الزيادة سوف يتجاوز الـ5 في المئة. أما قطاع السيارات فحدث ولا حرج؛ فهذا القطاع، سواء السيارات الجديدة أو المستعملة منه، يعاني تركيباً هجيناً للضرائب عليه. فإضافة إلى رسوم الجمارك، هناك الضريبة على القمية المضافة ورسوم التسجيل الأعلى في العالم رسوم الميكانيك العشوائية.
فضلاً عن ذلك يجري الحديث عن زيادة على T.V.A. ورسوم الميكانيك. فمن جهة تتخلى الدولة عن دورها في تأمين وسائل نقل جماعي منظمة للمواطن إذ لا طرقات ولا باصات ولا مترو، ومن جهة أخرى تفرض ضرائب باهظة على سلعة أساسية لا بديل منها.
ونوع الضريبة المفروضة لا يميز بين سيارة صغيرة لا يتعدى سعرها 9000 دولار وسيارة يزيد ثمنها على 70000 دولار إذا كانت تشارك معها في سنة الصنع وعدد الأحصنة.



فمن أبسط الحلول لهذه المعضلة هي اعتماد الخطوات التالية بانتظار اعتماد خطة للنقل الحصري في لبنان:
1- فرض ضريبة تصاعدية على السيارات وفقاً لثمنها.
2- إعفاء السيارة الأولى للعائلة المحدودة الدخل من الضرائب، ومضاعفة الضرائب على السيارة الثانية والثالثة.
3- اعتماد رسوم ميكانيك تعتمد معايير التلوث والمخاطر، فمن يلوث أكثر يدفع أكثر pollueur payeur.
4- تشجيع أصحاب السيارات القديمة على استبدال سياراتهم بأخرى جديدة لا سيما السيارات العمومية من خلال إعفاءات معينة على الضرائب.


 


إن اعتماد سياسة ضرائبية قائمة على المساواة وليس العدالة هو من أسوأ أنواع الضريبة.


لن يتسع الحديث في هذا المقال عن كل ما هو متداول من ضرائب، ولكن يستنتج بشكل جلي مما تقدم بأن العشوائية والفوضى والانفصام في الشخصية هي السمة الأساسية للسياسات الاقتصادية والضرائبية في لبنان.


قد يكون مرد ذلك إلى الفساد المستشري في كل قطاعات الدولة وعدم الرغبة أو عدم القدرة على محاربته.


فلن يكون هناك بناء للدولة مع الفساد على المدى القريب ولا على المدى البعيد.


وفي النهاية لا بُدّ من القول بأن أخطر أنواع التضخم هو التضخم الناتج من الضريبة، فحذارِ من الضريبة الهدامة.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم