الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

لمن تسيل الدماء؟

نبيل بومنصف
نبيل بومنصف
A+ A-

نتساءل مع انطلاق المنبريات النيابية في مجلس أكثريته الساحقة ممثلة في الحكومة كأنه يحاجج نفسه، أي قيمة لكل هذه الثرثرة الداخلية فيما يهيمن شبح أزمة فراغ مجددا على البلاد؟ قد يقلب كثيرون الشفاه استغرابا ان قلنا ان الأزمة ليست فقط في فراغ يكرس نمطا مريضا اعتاده اللبنانيون لفرط ما استهانت قوى داخلية فرضه كلما اصطدمت استحقاقات دستورية بمطامعها الذاتية وارتباطاتها مثلما هي في انماط وطبائع متخلفة تسخر منطق الدولة لأساليب عشائرية وقبلية. في الايام السابقة لجلسة المناقشة استشهد في وقائع امنية متعاقبة شباب من قوى الامن الداخلي في عمليات تعقب عصابات تهريب وسرقة ومخدرات. كانت دماء هؤلاء الشهداء تسيل مرتين على دروب الواجب وعلى طرق العبث السياسي الذي يجتاح منطق الدولة كما لدى رؤية منطق انتقامي يندلع بين أطراف سياسيين بسبب تشكيلات حصلت في قوى الامن الداخلي نفسها. بكل وقاحة اندلعت حرب انتقامية داخل وزارات ودوائر رسمية وجرى تناقل وقائعها علنا ولم يرف جفن مسؤول لوضع حد لهذا المنطق القبلي. ماذا تراها ستقدم أو تؤخر أزمة فراغ بالزائد او بالناقص أمام نمط وسلوكيات كهذه؟ وحتى لو أمكن تجنب السقوط في تجربة فراغ مجلسي في اللحظة الحاسمة، فمن ومتى وكيف يمكن احلال منطق دولة في بلد يتخلف الى هذا المنقلب؟ تجري استباحات أخرى متنوعة ومستحدثة لكل ما تبقى من هيكليات مهترئة في تسخير النفوذات الحزبية والشخصية والفئوية الجديدة والقديمة التي تحول الوزارات والادارات ساحات مبارزات وتحول الموظفين أرقاما في سجلات الولاءات لا غير. ولعلنا لا نبالغ ابدا ان ساوينا بين خطر الفراغ الدستوري في أي مؤسسة دستورية وخطر استباحة منطق السلبطة والهيمنة على الوزارات والادارات وتقاسمها محاصصات وعشائريات وقبليات. كل هذا الوبال يؤدي الى نقطة لارجوع يجري عبرها تقويض الدولة ويجعل خطر تشويهها أفظع من تداعيات الأخطار الخارجية مثل خطر اعباء اللاجئين السوريين والفلسطينيين الذي رفعه رئيس الحكومة امام مؤتمر بروكسيل. لن يخشى التسعون في المئة من الشباب اللبناني خطر اللاجئين اقل من خشيتهم من اجتياح سلوكيات سياسية يراد لها ان تخضع الدولة لمنطق الاقتصاص المذهبي والقبلي والمحاصصي. هذا اجتياح وذاك اجتياح وليس بينهما ما يميز ما دام صوت صارخ واحد لا يجرؤ على الجهر بأننا نحكم بمعادلة من هذا الطراز. ولعل الأسوأ ان تملأ أسماعنا بأهازيج البشائر بإعادة بناء الدولة وما شاكلها من شعائر فيما ترتفع مستويات احتقار الناس والدولة الى ذروات غير مسبوقة. فمن قال لهم ان الناس أصابهم الأرق لان قانون المحاصصة الانتخابي لم يبصر النور بعد؟ ومن أوهمهم بأن فراغا بالزائد او بالناقص سيقوم صورة دولة تحتقر شهادة الشهداء بهذه الاستباحة تماما كما ذهبت شهادات الذين حصدتهم حرب الاغتيالات الى قيود النسيان؟


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم