الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

ثورة شعبية دفاعاً عن اللقمة هل توحّد اللبنانيين؟

ريمون عبود
A+ A-


عام 1975 اندلعت في البلاد حرب أهلية دامية، أخذت أوجها متعدّدة، وفقا لأهداف كل طرف سياسي. منهم أعطاها بعدا اجتماعيا، وآخرون اعتبروها ردا على التجاوزات الفلسطينية. لكن ما لبثت أن تحوّلت حربا طائفية، لم تنجُ منها منطقة من قتل وتدمير وتهجير. كانت التدخلات الخارجية تساهم في تأجيج الصراع الذي امتدّ طويلا ليتحوّل في النهاية صراعا داخل كل مذهب. من المفارقات التي تسجّل خلال فترة المحن التي ألمّت بالوطن، تقاتل فقراء عين الرمانة والشيّاح، واقامة المتاريس بين منطقتين يفصل بينهما شارع، إلى تدمير المنازل والمحال التجارية والمعامل التي توظّف آلاف العمّال وتحويل الباصات التي تنقل المواطنين الى الجامعات والى أعمالهم متاريس يمارسون من ورائها القنص على الخصم. تراجع صوت التعقّل والاعتدال وتفلّتت الغرائز، كل طرف يسعى الى إلغاء الآخر، أو بالحدّ الأدنى إلحاق الهزيمة به. كمال جنبلاط ورّط الفلسطينيين في حرب الجبل لحسم الوضع وإسقاط بكفيا وتوقيع استسلام الانعزاليين في ريفون، بلدة طانيوس شاهين. إلى ان حصل التدخّل السوري بصفقة مع الاميركيين وبغض نظر إسرائيلي. اعتمد السوري سياسة إضعاف الكل ليسهل عليه بسط هيمنته وتسلّطه على البلد. كان دخوله على دم كمال جنبلاط ليخرجه بإذلال دم رفيق الحريري. وحده العميد ريمون إده رفض التسلّح والانخراط في حرب عبثية قذرة وسعى مع البطريرك خريش لتفاديها. وقال لمن تبقّى من مناصريه: "يكفيكم فخرا أنّكم تسيرون ورؤوسكم مرفوعة لأن أيديكم غير ملطّخة بدماء الأبرياء". كثرت التحليلات والتنظيرات خلال السبعينيات حول الهيمنة، المشاركة، الامتيازات، الغبن والحرمان، الطائفة الطبقة، واستئثار المارونية السياسية. ماذا حصل بعد الطائف؟ تسلّط أمراء الحرب، إمساكهم بمفاصل الدولة، إستشراء الفساد، تردّي الخدمات، تراكم الدين، تفاقم الأزمة الاجتماعية، إنكماش اقتصادي، تفشّي البطالة، لعدم توفير فرص عمل للمتخرّجين، بما يضّطرهم إلى الهجرة وخسارة البلاد قدراتهم العلمية.
استبشر الناس خيرا بعهد جديد يعد بالإصلاح ومحاربة الفساد وفرض القانون واستعادة هيبة الدولة، مضت أشهر وإذ بهم يمطرون المواطنين بوابل من الضرائب، تزيد فقرهم، وتجنّبت الحكومة قدر المستطاع إزعاج رأس المال الجشع وحيتان المال من شركات ومصارف تتحكّم في قرارات الحكومة، حيث لا يخلو مجلس إدارة مصرف من نائب أو وزير. من حين إلى آخر يلهون الشعب بأمور تافهة ليتناسى القضايا المصيرية، من سيادة وسلاح غير شرعي متفلّت، إلى سرايا مقاومة تسرح وتمرح. استسهلوا فرض ضرائب تطال الفئات الشعبية الكادحة، وحاولوا إقاعنا بأن محاربة الفساد مسار طويل. إلى متى التأجيل والتسويف والمماطلة والتغاضي عن المتسلّطين على المرفأ والمطار، يمّررون البضائع من دون المرور عبر الجمرك، وباعترافهم، تخسر الخزينة مئات ملايين الدولارات؟ وكذلك التوظيفات العشوائية للأزلام والمحاسيب، بما يزيد الأعباء والعجز؟ السلسلة حق لمن يستحقها، على ان يرافقها تطهير الادارات من الفاسدين.
استفحل نهب المال العام لتمويل الطبقة السياسية، بعدما نضب المال الخارجي، من ليبي وعراقي وخليجي وايراني. إزاء هذا التردّي، وتمادي السلطة في تجاهلها لمطالب الشعب والإمعان في سياسة القهر، أما آن الاوان لهذا الشعب المدجّن، الذي تذابح وتقاتل من أجل أسياده، أن يتكاتف، وكما جرّب الحروب الأهلية المدمّرة، أن يلجأ ولو لمرّة إلى انتفاضة شعبية عارمة، تطيح هذه الزمرة الحاكمة، التي أثبتت فشلها وعجزها وافلاسها وعقمها، والضغط لفرض قانون انتخاب يعتمد الدائرة الفردية أو الصوت الواحد، للخلاص من الزعامات الطائفية، والاتيان بنخب فكرية لها رؤية المستقبل ودور لبناني الحضاري، وتتجدّد الحياة السياسية؟ انظروا إلى مجلس 1953 المنتخب على أساس الدائرة الفردية الذي ضمّ كمال جنبلاط، نعيم مغبغب، اميل البستاني، كلوفيس الخازن، بشير الأعور، بيار وريمون اده المجلّيين في التشريع، ولا سيّما قانون السرّية المصرفية الذي كان وراء تدّفق الرساميل العربية الهاربة من التأميم، بما حقّق النمو والازدهار والبحبوحة. كان هذا المجلس الأكثر إنتاجية في التشريع وإصدار القوانين. كان من اللافت والظريف مشاهدة الكتائبي الى جانب الشيوعي والاشتراكي يتلاقون على السياسة الاجتماعية ورفض الضرائب. أما كان من الأجدى عام 1975، لو تلاقى كمال جنبلاط وبيار الجميل الذي حينها كان يتهم اليسار بالهدّام والمخرّب وفي الاربعينيات ينادي: "يا عمّال لبنان اتّحدوا". وتبنّيا برنامجا" إصلاحيا" يضعنا على سكة بناء دولة مدنية مع عدالة إجتماعية وإنتماء وطني بدل العودة الى العشائرية والمذهبية، كم كنتم وفّرتم على البلد دمارا وخرابا، ولا أحد يدّعي ويزايد أنه وطني وحريص على بلده أكثر من غيره. كفى بكم تعنّتا، عودوا الى الحوار.


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم