الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

حين تتفقّد بيروت ويغمرك حزنها!

المصدر: "النهار"
الياس الديري
الياس الديري
حين تتفقّد بيروت ويغمرك حزنها!
حين تتفقّد بيروت ويغمرك حزنها!
A+ A-

حكاية عبدالله التي رواها الرئيس سعد الحريري للمؤتمر الدولي في بروكسيل كشاهد حي على معاناة لبنان، هل تكفي لتحريك وجدان المجتمع الدولي، فينتقصل من خانة اللامبالاة بوجود مليون ونصف المليون لاجحئ سوري في بلد صغير الى موقف يتحلّى بالاهتمام والدعم السريعين اللذين يفتقر اليهما وطن المهاجرين والمهجّرين؟
كلا. لا بدّ من جولات تفقديَّة على مختلف المناطق والشوارع والأسواق، حيث من المألوف أن تعج المطاعم والمتاجر بالناس من مختلف الطبقات والبلدان... على ما كان يُعرف عن لبنان الوطن الثاني لكل عربي، والمفاجأة المدهشة لكل أجنبي.
لست متخصصاً في علم الاقتصاد والتجارة وأصولها. ولا خبرة سابقة، أو معرفة، أو تجربة. غير أن الوضع اللبناني لم يعد في حاجة الى علماء وخبراء واختصاصيين في حقول التجارة على أنواعها.
الفضول والرغبة في التعرّف المباشر على واقع الحال على الأرض دفعاني الى القيام بجولات متفرّقة ومتعددة على "مناطق" المطاعم والمقاهي والمتاجر، والأسواق المشهورة في حقول الزينة بمختلف ألوانها وأنواعها... وخصوصاً بالنسبة الى الجنس اللطيف.
ولم يقتصر اهتمامي أو يحصر بهذه المناطق والحقول، إنما تعمدَّت القيام بـ"نزهات" في الشوارع الرئيسية، والساحات الواسعة، والطرق البحريَّة، كما الداخلية والدوليَّة التي من عادتها أن تعج بالسياراتوالناس والباحثين عن مقعد في هذا المقهى أو ذاك المطعم.
بدأت الجولات التفقدية من الساعة الثامنة مساءً، والتوجّه الى هذه المحلة أو ذاك الشارع وذياك السوق "كيفياً". ومن دون برنامج أو خطَّة مسبقة.
سمعت أنيناً وشكاوى من تجار كبار. ووقفتُ بنظري وأسئلتي على حال بعض المطاعم التي كنت أعرفها تعج بالناس، وبالمنتظرين أكثر من الجالسين الى الموائد. ثمة إجماع على أن "الجو السياسي الموبؤ في البلد"، و"الذبذبات" المتواصلة من أفرقاء لا يتورعون عن إرسال التهديدات بأصوات ملعلعة ضد هذه الدولة الخليجيَّة أو تلك العربية...
ولا يكتم بعضهم استغرابه من سكوت الرئي ميشال عون أزاء هذا الوضع، وعدم صدور أية مبادرة فعَّالة تجعل "النافذين" من خطب التهديد والوعيد ومظاهر "ساهمت" دائماً في زرع الخوف والتردّد في نفوس جميع الذين يشدهم الحنين الى زيارة لبنان صيفاً وخريفاً وشتاءً وربيعاً.
واضحٌ من هذا الفراغ شبه الكامل، الذي يشمل معظم الأسواق والمتاجر والمطاعم والشوارع والطرق العامة، أن الوضع الاقصتادي لا يقتصر على فئة معيَّنة، بل هو يشمل معظم الناس، وخصواً ما كان يُسمّى الطبقة الوسطى والطبقة الرقيقة الحال.
حتى أفواج المتسولين، بكبارها وصغارها، يكاد وجودها ينعدم في بعض الساحات والأسواق حيث كانت تتدفق بالعشرات، حتى ساعات متأخرة ليلاً.
قمت بهذه الجولات في الشوارع والأسواق والمناطق المعروفة من زمان، وتفقدت الزواريب الضيّقة حيث كانت مطاعم السندويشات، ومحلات البوظة والعصير، فراعني وأ؛زنني أن يكون الفراغ قد شمل كل شيء تقريباً، وكل الأمكنة سواءً المميّز منها والمحسوب في خانة الأثرياء، أو العادي والبسيط جداً.
عشت ظروف بيروت ومراحلها منذ منتصف الخمسينات. وأعرفها بكل ما كانته، وما صارت عليه، سواء قبل حروب التخريب أو بعدها. اعتقد أنني لم أرَ سيدة العواصم يوماً بهذا البؤس وانكسار الخاطر.
كما لو أنها تتلقّى عقاباً جائراً من أعداء ألداء، من داخل ومن خارج معاً.
فوجدتني مع صديقي ابراهيم نغني بصوتين مختنقين "لبيروت منديل العيون"...

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم