الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

النظام الإقليمي العربي قادة وقضايا

النائب الدكتور فريد الخازن
النظام الإقليمي العربي قادة وقضايا
النظام الإقليمي العربي قادة وقضايا
A+ A-

القمة الاخيرة التي جمعت الزعماء العرب على الضفة الاردنية من البحر الميت ساهمت في خفض نسبة "الملوحة" العالية في المياه العربية الراكدة. فبعد فورة الربيع العربي وسقف التوقعات المرتفع، عادت الاوضاع الى نصاب الممكن. المراهنة الأعلى سقفاً كان مسرحها سوريا على قاعدة اسقاط النظام في لحظة بدت ملائمة الى حد تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية.


تزامَنَ الوهن العربي في السنوات الاخيرة مع المفاوضات التي أدت الى مصالحة ايران مع المجتمع الدولي بعد اتفاق فيينا. وجاءت حرب اليمن لتفاقم النزاع المحتدم. ولم تسلم المنطقة من ارهاب التنظيمات التكفيرية المدعومة اقليمياً لاسباب متناقضة. هكذا وقعت مناطق عراقية وسورية واسعة في قبضة "الدولة الداعشية" التي اعلنت الحرب الدينية على دول المنطقة وشعوبها وعلى العالم حيث أمكن.
النظام الاقليمي العربي، شأنه شأن أي نظام اقليمي تجمعه مصالح مشتركة، لا دور فاعلاً له مع غياب القيادة الموحدة والقضية الجامعة، مثلما هي الحال العربية الراهنة: قيادة مشرذمة وقضايا تفرّق بدل ان تجمع. لعقود، كانت فلسطين القضية الجامعة لا بسبب النظام الاقليمي فحسب بل بسبب الحروب العربية - الاسرائيلية. هزيمة 1967 كانت المصيبة الجامعة لجيل كامل وحرب 1973 جمعت العرب في لحظة انجاز عابرة. استطاع الجيشان المصري والسوري في 1973 ان يضربا مقولة التفوق العسكري الاسرائيلي وشهرت المملكة العربية السعودية "سلاح النفط"، ما وضع الولايات المتحدة والدول الصناعية الكبرى في موقع صعب بعدما اهتز استقرار الاقتصاد العالمي. في تلك الحقبة كانت الدول العربية المصدرة للنفط تتحكم بنحو 70 في المئة من أسواق النفط العالمية، بينما حصتهم اليوم تراجعت الى نحو 30 في المئة. وما حصل في 1973 على المستويين العسكري والسياسي لا يمكن ان يتكرر مع التبدل الجذري في معالم النزاع العربي- الاسرائيلي منذ معاهدة السلام المصرية - الاسرائيلية في 1979 الى اليوم.
وقبل ذلك، في الخمسينات والستينات، كانت مصر عبد الناصر في موقع القيادة في الجامعة العربية وفي النظام الاقليمي. بعد اتفاق كمب ديفيد، تراجع الدور المصري اثر المقاطعة العربية وانتقل مقر الجامعة العربية الى تونس، وبعد نحو عشر سنين استعادت الجامعة مقرها في القاهرة، ولكن في عالم عربي منهك بعد الحرب العراقية - الايرانية. وبعد عامين من انتهاء حرب الثماني السنوات المكلفة اجتاح صدام حسين الكويت وضمّها محافظة ادارية الى العراق. تواصل التراجع مع حرب تحرير الكويت، والخاسر الاكبر كانت القضية الفلسطينية بعدما أيد ياسر عرفات الاجتياح العراقي. واهتزت المعادلة الاقليمية مع تفكك العراق وتفاقم الانقسامات العربية.
نظام اقليمي مختلف بدأ يتشكل من خارج المحاور التقليدية، مصر ودول المشرق تحديداً، لمصلحة منطقة الخليج العربي بعلاقاتها المأزومة مع العراق وايران لاسباب مختلفة. المظلة الامنية الاميركية بعد حرب تحرير الكويت جعلت موازين القوى أكثر ثباتاً، إلّا انها كانت الذريعة لبروز أسامه بن لادن بعد عودته من أفغانستان وصدامه مع السلطات السعودية.
الغزو الاميركي للعراق في 2003 أسقط النظام الحاكم وأزاح العراق، لجهة انه كان عملياً بمثابة "دولة عازلة" (Buffer) بين دول الخليج وايران. وكان سبق ذلك المفاوضات العربية - الاسرائيلية التي انتجت اتفاق أوسلو المتعثر قبل الانتفاضة الفلسطينية الثانية وبعدها. وسرعان ما توسع الشرخ الداخلي في فلسطين بين السلطة الوطنية وغزة تحت سيطرة "حماس". خسرت القضية الفلسطينية عمقها العربي وطغى الهمّ الايراني على الساحة العربية، وخصوصاً الخليجية. أما ايران فلم تضيّع فرصة لتحصّن نفوذها الاقليمي. وجاء الربيع العربي ليضرب موازين القوى الاقليمية دفعة واحدة.
في قمة البحر الميت اتّسم الموقف العربي بهدوء لافت، وانتقلت المحاور من الصدام الكامل الى المسارات الممكنة لأزمات تتجاوز حلولها قدرات الجامعة العربية ودولها. فبالاضافة الى ثوابت الموقف العربي من الاحتلال الاسرائيلي وتسوية حل الدولتين، دعت القمة الى حل سياسي في سوريا ومصالحة وطنية في ليبيا ودعم الشرعية في اليمن والقضاء على ارهاب "داعش". تحولات تحاكي المصالح العربية المشتركة لوضع حد للخسائر والفلتان. القمة نأت بنفسها عن لبنان، مثلما نأى لبنان بنفسه عن محاور النزاعات العربية. وفد لبنان الرسمي عكس وحدة الموقف اللبناني، وان كانت التباينات الداخلية معروفة. لبنان، عبر كلمة رئيس الجمهورية، حمل رسالة سلام لاعادة "لمّ الشمل العربي"، فيكون جسر تلاق وحوار لا ساحة حروب.
في قمة الاردن ارتفع منسوب الواقعية والاتزان من مستوى متدنٍ، تحت سطح البحر، مثلما هي حال البحر الميت، الى مستوى يتساوى فيه البر والبحر، مع أمواج لا بد منها تريح أصحاب الدار ولا تزعج الزوار.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم