السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

قوّة المسيحيّين في دورهم وليست في عددهم وفي ظل دولة مدنيّة ديموقراطيّة

اميل خوري
A+ A-

كان الرئيس الشهيد رفيق الحريري يكرّر القول إن "اتفاق الطائف" أعطى المسيحيّين ما قد لا يعطيه لهم أي اتفاق آخر وهي المناصفة ووقف العدّ، لذلك فإن من مصلحتهم أن يحافظوا عليه قبل غيرهم في سياق الكلام على تعديل هذا الاتفاق أو إبداله باتفاق آخر اعتقاداً من كل طائفة أنها ستحصل على مزيد من الصلاحيات، بحيث يقع بعضها في النقصان ولا يحصل على أي زيادة، خصوصاً عندما يدور الكلام على "المثالثة" أو على أن تكون حصة كل مذهب بحسب حجمه وعدده...


الواقع أن التغير الديموغرافي لم يعد في مصلحة المسيحيّين، وأن عليهم العمل على إلغاء الطائفيّة السياسية لإقامة الدولة المدنية التي تعتمد في ملء المناصب العُليا والوظائف الكبرى على أصحاب الكفاية والجدارة إلى أي حزب أو مذهب انتموا.
ومعلوم أن المسيحيّين كأقليّة في أي دولة ذات غالبية إسلاميّة لهم بفضل تمتّع العديد من قياداتهم بالكفاية والخبرة دور فيها، وهذا يحتّم عليهم تجنّب خوض معارك العدد لأنّها خاسرة بالنسبة إليهم، إنّما خوض معارك التعدّدية والنوعية التي يكون لهم فيها مكان مميّز ودور فاعل.
لذلك يخطئ زعماء مسيحيّون إن هم دخلوا في منافسة مع الشريك المسلم على العدد أو على الصلاحيات، أو أن يكون الرئيس جاء بأكثرية نيابيّة مسلمة فيكون ضعيفاً وليس بأكثرية مسيحية ليكون قوياً، أو أن يكون نواب مسيحيون فازوا بأصوات ناخبين مسلمين وليس بأصوات ناخبين مسيحيّين لكي يكون تمثيلهم صحيحاً وتكون المناصفة فعليّة لا نظريّة على الورق فقط. فقوّة المسيحيّين لم تكن يوماً في عددهم في أي دولة ذات غالبية إسلاميّة، بل في دورهم الذي جعلهم يكونون روّاد علم وثقافة ورجال مال وأعمال واقتصاد، ولن يكون لهم دور مهما بلغ عددهم إذا كانوا كميّة مُهملة لا نوعية فاعلة ومؤثّرة. فليست المناصفة الفعلية ولا التمثيل الصحيح للمسيحيّين، سواء في رئاسة الجمهوريّة أو في الوزارات أو في الوظائف الكبرى، هي التي تطمئن إنّما أن يكون الشريك المسلم موافقاً مع شريكه المسيحي على أن يكون لبنان سيداً حرّاً مستقلاً في كيان ثابت يحصّنه استقرار سياسي وأمني واقتصادي، وينعم الشعب فيه بالعيش الكريم والازدهار والبحبوحة، وأن تكون فيه دولة قوية لا دولة سواها قادرة على بسط سلطتها وسيادتها على كل أراضيها، وأن لا يكون لا مع "شرق" ولا مع "غرب" في سياسته بل مع ما يخدم مصلحة لبنان واللبنانيين. وعندما يتحقّق كل ذلك فإن أسباب البحث عن التمثيل الصحيح تنتفي ولا يعود البعض يرى وجوب انتخاب كل مذهب أو طائفة ممثلها ليسود عندئذ التطرف والخطاب المتشدّد لكسب أصوات الناخبين المتطرّفين في كل مذهب وطائفة، مع العلم أن الأقليّات لا تعيش باطمئنان إلّا في أجواء الاعتدال واحترام الرأي الآخر والقبول به. وهذا لا يتحقّق إلّا إذا انتخب النائب خليطٌ من المذاهب ليجعله معتدلاً ولا يفكر في مصالح مذهبه فقط بل في مصالح كل المذاهب لأنه يكون عندئذ، فعلاً لا قولاً، نائب الأمّة جمعاء، وتقوم الشركة عندئذ بين مختلف الطوائف بالمحبة والوئام وليس بالحقد والكيدية وتربّص كل طرف بالآخر. فانتخاب خليط من المذاهب النائب يجعله معتدلاً وحكيماً في تصريحاته وتصرفاته، ويكون انتخابه من مذاهب مختلطة بمثابة صبّ الماء في كأس النبيذ لكسر حدّته.
إن أهم ما ينبغي أن يتفق عليه المسيحيون والمسلمون هو أن يكون لبنان واحداً موحّداً، متعدّد الأديان، لا لون له إلّا لون لبنان ليبقى ازلياً سرمدياً وطن رسالة، يحكمه قادة يستخدمون عقولهم لا سواعدهم، وحكمتهم لا نزقهم، لا يرتكبون الظلم بل يتحمّلونه... قادة لا يتقاسمون لبنان وفقاً للعدد بل وفقاً للكفاية والجدارة والنزاهة والمواطنة، لأن هذه هي التي تحمي الوطن من أعداء الداخل والخارج، وترفض جعل لبنان ساحة مفتوحة لصراعات المحاور، قريبة كانت أم بعيدة، وان يُحكم بقوة النظام والدستور لا بقوّة الأقوى، ولا بتحويل كل طائفة فيه دولة داخل الدولة تفتح الأبواب للأزمات الحادة والفوضى العارمة عند اختلال التوازنات الداخلية الدقيقة والحساسة فيه.
فعلى المسيحيين إذاً أن يكونوا معنيين قبل غيرهم بالمواقف من لبنان أكثر من المواقع والمناصب ليحافظوا على قوة دورهم التي تفوق قوة العدد فيصبح لبنان وطناً قابلاً للحياة ولا يظل مشروع وطن.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم