الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

"بيروت مدينتي": لردم الهوة بين بلدية بيروت والناس

المصدر: "النهار"
الدكتور أندره سليمان-متخصص في الحكم المحلي
"بيروت مدينتي": لردم الهوة بين بلدية بيروت والناس
"بيروت مدينتي": لردم الهوة بين بلدية بيروت والناس
A+ A-

التشاركية عملية استشارة المواطنين لاتخاذ القرارات وهي أحد أوجه الديموقراطية المباشرة التي انتشرت في جميع أرجاء العالم خلال العقود الأخيرة. وفي حين أن عدداً من البلديات واتحادات البلديات اللبنانية نفذ سلسلة أنشطة تشاركية، لا تزال بلدية العاصمة، بالرغم من بعض المبادرات المتأخرة، الأضعف في هذا المجال مقارنة بنظيراتها اللبنانية. في وجه هذا الواقع، تطرح "بيروت مدينتي" نفسها كبلدية بديلة تنطلق من أسس الحكم الرشيد، وتعتنق أقصى درجات الشفافية في إطار استراتيجي يشمل آليات وقنوات تشاركية ممأسسة.


أولاً: من أجل بناء جسور تواصل بين بلدية بيروت وسكانها
تحت شعار الشفافية و"الشراكة"، أطلق رئيس مجلس بلدية بيروت المهندس جمال عيتاني ومحافظ بيروت القاضي زياد شبيب، في أول عهدهما، مبادرة من نوع جديد، تسمح للمواطنين بأن يجتمعوا بهما مرةً في الأسبوع من دون موعد مسبق. وفي حين أن "بيروت ميدنتي" ترحب بتلك الخطوة، إلا أنها على اقتناع بأن هاتين المبادرتين المنعزلتين لا يمكنهما أن تشكلا مؤشراً وفياً إلى التشاركية المنشودة في غياب إطار استراتيجي أوسع يشمل آليات وقنوات تشاركية ممأسسة. إن حصر تواصل البلدية مع الأهالي باجتماعات مصغرة ومغلقة للتعبير عن احتياجاتهم قد يصلح لمعالجة بعض الحالات الخاصة وتيسير قضايا تفصيلية لكنه لن يحقق غاية المشاركة الحقيقية. لا بل بالعكس، يخشى من تلك الأساليب أن تؤدي إلى نتائج منحرفة – ربما مقصودة – كتكريس العلاقات الزبونية، والولاءات المشخصنة مقابل تلقي الخدمات، وخصوصاً أن وفود ممثلي الرابطات العائلية والطائفية غالباً ما تشكل جزءاً مهماً من تلك المواعيد. وقد تكوّن هذا الانطباع من مديح الزائرين الذي شهدناه خلال زياراتنا المتكررة لبعض المسؤولين في البلدية، وكأنهم كبار زعماء الوطن!


 


أما البلدية البديلة التي تريد "بيروت مدينتي" أن تبنيها فهي بلدية تستشير أهلها وسكانها بواسطة قنوات وآليات تشاركية مفتوحة وممأسسة. وهي بلدية تفعّل دور الناس في وضع الخطط الإنمائية والسياسات المحلية وتعوّل على قيمتهم المضافة في تحسين الخدمات. الطرح الذي تقدمه "بيروت مدينتي" هو إنشاء اللجان التطوعية المتخصصة، وفقاً للفقرة الثانية من المادة 53 من قانون البلديات، التي تمكّن المواطنين من مشاركة خبراتهم ومهاراتهم، كلٌّ في مجال تخصصه، واقتراح سبل لتحسين الأداء. ولأن قانون البلديات لا يحدّد عدد هذه اللجان، يمكن هذه الأخيرة أن تغطي مجالات عمل متنوعة، كالبيئة، والسير، والأمن، والإسكان، والتنمية الإدارية، والمساحات العامة، والطوارئ، والتخطيط، والصحة العامة، ومعالجة النفايات الصلبة، والطاقة، وإدارة المياه، ومياه الصرف الصحي... إلخ. ويمكن، على هذا النسق، إنشاء لجان أحياء تتولى ملاحقة شؤون الأحياء ورصد احتياجات الأهالي، مما يشكل إطاراً مؤسسياً أوفى وأكثر تأثيراً من الاجتماعات المغلقة، المحدودة بالزمان والمكان والقدرة الاستيعابية.


تعمل اللجان البلدية كمجموعات عمل متخصصة (على غرار اللجان النيابية تقريباً)، وهي تؤدي دوراً استشارياً وتشاورياً تحت إشراف أعضاء المجلس البلدي. تعمل اللجان على ملفات محددة، وتقدم الدراسات والبدائل، وتبدي التوصيات والمقترحات وخرائط الطريق، على أن يناقشها المجلس البلدي ويبتّ أمرها.


طبعاً، لا تغني هذه اللجان التطوعية عن البحوث والدراسات المعمقة التي ينفذها استشاريون متخصصون مقابل مكافأة مالية، لكنها تتحلى بميزتين رئيسيتين: أولاً، إنها تخفف من الحاجة إلى الاستشاريين، تالياً من النفقات المخصصة للدراسات والبحوث، العشوائية أحياناً؛ وثانياً، تعوّض، إلى حدّ لا بأس به، عن النقص في الموظفين الذي تعانيه أكبر بلديات لبنان وأغناها. عليه، ندعو بلدية بيروت إلى الإعلان عن لجانها الحالية، والعمل الحاصل فيها، والإسراع في توسيع دائرة المشاركة بتشكيل لجان تطوعية يقودها مواطنون متخصصون، كل في مجاله.


هذا هو المشروع الذي يعكس نظرة "بيروت مدينتي" إلى العمل البلدي، الذي بدأت بتطبيقه منذ اللحظة الأولى، بتنظيم "مساحات النقاش" العلنية خلال حملتها الانتخابية، وإنشاء لجان الأحياء في مناطق بيروت المختلفة لبناء جسور التواصل مع الناس والوقوف عند رأيهم – وهي مجموعات لا تزال تعمل حتى الآن في مار مخايل، وزقاق البلاط، وغيرهما.


بناء على ذلك، نناشد بلدية بيروت، مجلساً ومحافظاً، أن تذهب إلى ملاقاة أهالي بيروت وسكانها بتنظيم، من دون إبطاء، وبصورة دورية، لقاءات عامة مفتوحة، تمكّن الجميع من التعبير عن رأيهم علناً وبشفافية تامة، حتى ولو كلّف الأمر انتقادات لأداء البلدية.


ثانياً: مفهوم "بيروت مدينتي" للشفافية
يؤكد خطاب بلدية بيروت الإعلامي اقتناعها "الراسخ" بضرورة الشفافية. وقد أفاد رئيس مجلس بلدية بيروت المهندس جمال عيتاني في مناسبات مختلفة أنه يمكن "متابعة أهم القرارات" عبر الموقع الإلكتروني الرسمي والتطبيق التي أطلقتهما بلدية بيروت حديثاً، في حين أنه لم يعلن فعلياً سوى عن عناوين بعض القرارات بصيغة مختصرة.


أما الشفافية التي تنادي بها "بيروت مدينتي" فلا تقتصر على نشر قرارات البلدية وحسب، بل تتمثل في بلدية تخاطب الناس وتوفّر لهم المعلومات اللازمة لأن يتواصلوا معها. إن نهج الشفافية الذي تطمح "بيروت مدينتي" إليه، متعدد الملامح. يبدأ، أولاً، بتوفير جميع المعلومات والمستندات ذات الصفة العامة بالتفصيل، ولا سيما البيانات المالية، على الموقع الإلكتروني وفقاً لترتيب زمني ومعجمي يسهّل على الزائر مراجعتها. وقد كرس قانون الحق في الوصول إلى المعلومات، النافذ منذ شباط 2017، استعمال الوسائل الإلكترونية لهذه لغاية.


إلا أنه غالباً ما تحول اللغة البيروقراطية المعتمدة في الإدارات الرسمية اللبنانية – بما فيها البلدية – دون تحقيق جوهر الشفافية. لذلك لا تصبح الشفافية ممارسة فعلية إلا عندما يتمكن المواطن من فهم مضمون القرار الذي يقرأه والهدف المراد منه. ينطبق ذلك بصورة خاصة على الموازنة البلدية. فنموذج الموازنة البلدية الرسمي التي تفرضه وزارة الداخلية والبلديات لا يبيّن تفاصيل الأعمال والمشاريع التي تصرف من أجلها الأموال ولا يسمح لغير أعضاء الإدارة بمعرفة ما الذي يحصل على أرض الواقع. تالياً، إن نشر الموازنة البلدية بصيغتها الحالية لا يحقق الغاية المطلوبة.


 


من هنا كانت الحاجة إلى إلحاق الموازنات العامة – ولا سيما البلدية – بوثيقة أخرى، تعرف بـ"موازنة المواطن"، تشرح فيها الإدارة خطتها المالية، وتبسط الجانب المالي لبرامجها الأساسية. تبيّن موازنة المواطن وجهة صرف الإيرادات ونصيب كل من المشاريع والنشاطات والأشغال التي تقوم بها. ويمكن بلدية بيروت أن تحتذي بمثال وزارة المال المصرية وغيرها من المؤسسات العامة العربية والأجنبية، في هذا المجال.


الاقتراح التي تتقدم به "بيروت مدينتي" إلى بلدية بيروت، في ظل غياب الموارد البشرية اللازمة، هو أن تؤدي اللجان البلدية التي ذكرناها دوراً مساعداً لإعادة صياغة الموازنة الرسمية وإصدار وثيقة شفافة يفهمها الناس. تالياً من المجدي أن تتسع عضوية لجنة المال والموازنة، التابعة لمجلس بلدية بيروت، لتضم متوطوعين وخبراء ماليين من خارج البلدية يساهمون في هذه المهمة.


إن البلدية البديلة التي تسعى إليها "بيروت مدينتي" هي بلدية تبذل مجهوداً إضافياً لتكون الرائدة في العمل البلدي، وتقترح حلولاً مبتكرة لخدمة الناس إنطلاقاً من قراءة متحررة للقانون.


*الكاتب متخصص في الحكم المحلي وعضو في "بيروت مدينتي – بلدية البديل".

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم