السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

أميركية من أصل سوري... غوراني لـ "النهار": المعارضون السوريون فقدوا حلم الديموقراطية النابضة بالحياة

سلوى أبو شقرا
أميركية من أصل سوري... غوراني لـ "النهار": المعارضون السوريون فقدوا حلم الديموقراطية النابضة بالحياة
أميركية من أصل سوري... غوراني لـ "النهار": المعارضون السوريون فقدوا حلم الديموقراطية النابضة بالحياة
A+ A-

كم من بريء مظلوم بين سندان الحياة ومطرقة البشر، قضايا وقصص مأسوية لا يمكن عقلاً بشرياً سويّاً أن يدرك وجودها. كمٌّ هائل من الألم والمعاناة لأناس كان القدر لهم بالمرصاد، ليجدوا أنفسهم عالقين في بلاد غريبة، سائرين في طرق محفوفة بالمخاطر، وأخرى فاسدة تسودها تجارة #المخدرات والدعارة، والرقيق، والعبودية، وعمالة الأطفال. ملفات شائكة تنطوي تحت عنوان "الاتجار بالبشر" الذي يتصدر عناوين المرحلة الحالية في ظل الصراعات والحروب التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط. والتقت "النهار" الإعلامية في شبكة "سي أن أن" الدولية هالة غوراني للحديث أكثر عن ملف #الاتجار_بالبشر الذي تحمل رايته "سي أن أن" ضمن مشروع Freedom project، تزامناً مع مؤتمر لـ "هيومن رايتس ووتش" في بيروت لتقديم التقارير عن قضايا حقوق الإنسان.


الاتجار بالبشر عالمي


تواضع وبساطة ورقي صفات تختصر غوراني. ولدت في سياتل الأميركية لأبوين سوريين من مدينة #حلب. حازت بكالوريوس العلوم في الاقتصاد من جامعة جورج ماسون، وتخرجت من معهد الدراسات السياسية في باريس عام 1995. بدأت مسيرتها المهنية عام 1998 في تلفزيون بلومبرغ في لندن، ثمَّ صحيفة "la Voix du Nord" الفرنسية و"وكالة الأنباء الفرنسية"، وغطّت أثناء عملها الانتخابات المصرية عام 2012، وأزمة اللاجئين السوريين في لبنان في عام 2014، وأحداث الربيع العربي.


تلفت غوراني إلى أنَّ "أزمة اللاجئين دفعت "سي أن أن" إلى إطلاق Freedom project من خلال تسليط الضوء على الاتجار بالبشر بأوجهه كلها، كالاتجار بالجنس، وإساءة معاملة المهاجرين المحليين، وعمالة الأطفال في كل أجزاء العالم وليس منطقة الشرق الأوسط فحسب، بل أيضاً في الدول الغربية كلندن أو الولايات المتحدة، ودول أميركا اللاتينية، وأوروبا الغربية والشرقية، ودول شرق آسيا".


السوريون يائسون


ننتقل إلى ملف اللاجئين، هذه الأزمة المستمرة منذ سنوات، كيف تصفين تعامل الدول العربية معها؟ وفق غوراني "لهذه المسألة جانبان، الأول يكمن في سخاء الناس العاديين، فلبنان استضاف نحو 1.2 مليون لاجىء وربما أكثر (وهذه أرقام رسمية)، وكل من #الأردن وتركيا يستضيفان أكثر من مليون لاجىء. وهنا نتحدث عن اللاجئين السوريين فقط بغض النظر عن اللاجئين من بلدان أخرى. يجب أن نعترف بأن الأرقام لا تصدق، وهذا العدد يمثل ربع سكان الدولة السورية قبل الحرب. تخيلي لو حدثت هذه المسألة في #أوروبا، في بلد مثل #فرنسا، هل يمكنه استضافة 20 مليون لاجئ من البلدان المجاورة؟ هم يجادلون، فيما عدد اللاجئين لديهم لم يتخطَّ العشرة آلاف. وهو رقمٌ لن يكون له تأثير عام على البلاد. أما الجانب الثاني، فيكمن في أنَّ هذا الصراع استغرق فترة طويلة جداً في ظل وجود معاناة اقتصادية. سمعت من لبنانيين عاديين يقولون: الأمر بات مرهقاً ويثقل الاقتصاد. وأتفهم ذلك. حتى إنَّ السوريين، الذين كانوا في البداية متفائلين وشغوفين بالتغيير، يقولون الآن إنهم يائسون جداً. بعضهم يعبر قائلاً: "لا أهتم بعد الآن، إذا عدت إلى ما كنت عليه، أريد فقط أن أكون قادراً على عيش حياتي كالسابق". لذلك، الأزمة بحاجة إلى حل على الرغم من أنني لا أراه قريباً".


لمَ برأيك لم تفتح الدول العربية الغنية أبوابها للاجئين السوريين، بل اقتصرت أفعالها على المساعدات المادية؟ تجيب: "من الواضح أن التمويل أفضل من لا شيء، لكنَّ المسألة ليست مجرد أموال، بل ترتبط أيضاً بكيفية إدارة الإنسان، وتأمين المأوى، والذهاب إلى المدرسة. أغنى البلدان في المنطقة لم تستقبل اللاجئين، قد يقولون إنهم قدموا تسهيلات مرتبطة بالتأشيرة، لكن لمَ على ألمانيا مثلاً فتح أبوابها أكثر من هذه البلدان؟ أسئلة مشروعة ولا أعتقد أن الإجابات عليها ترضي الجميع".


كيف يخدمُ هذا المشروع لبنان ودول الشرق الأوسط؟ تجيب: "بعيداً من هذا المشروع نسلط الضوء في أخبارنا وبرامجنا على القضايا المتعلقة باللاجئين، كما يعمل مراسلنا في لبنان على مواضيع مرتبطة بهذا الشأن وأخرى متعلقة بفقدان الحماية ووضع العاملات في المنازل، وغيرها من الملفات الموجودة في لبنان. ونجد فرقاً شاسعاً بين معرفة القصص الجارية والسماع عنها ممن عايشوها. لا يدرك كُثر أنَّ بعض المآسي يمكن أن تحدث في المنزل المجاور لنا أو في الشارع الخاص بنا، لكن عندما يشاهد الناس ملفات كهذه عبر شاشات التلفزة يتأثرون بها أكثر".


وقف النزيف أمل وحيد


أزمة اللاجئين تثقل كاهل لبنان، فهل يكون الحل في إنشاء مناطق آمنة؟ برأي غوراني "لا يمكن الحديث عن مناطق آمنة ليرجع إليها المواطنون السوريون في ظل غياب الضمانات منها عدم تعرضهم للقصف، أو للهجوم من المتمردين أو المتطرفين أو داعش، المناطق الآمنة تاريخياً لم يُعمل بها، فمن سيحكم هذه المناطق من الجو؟ وتتطلب منطقة حظر للطيران. ثانياً هل يمكن جمع الناس في منطقة آمنة لا توجد فيها بنى تحتية، ووظائف، ومدارس، ومستشفيات؟ هذا مخيم آخر للاجئين في البلاد! كما أنَّ جمع الأفراد سيجعلهم عُرضة لهجمات جماعية. وهي في واقع الأمر ليست حلاً، خصوصاً في بلد مثل #سوريا حيث الجزء الكبير من الأراضي تحكمه أساساً جماعات الميليشيات التي تسيطر على المناطق، ولا توجد سلطة مركزية في المناطق الأخرى خصوصاً في الشمال السوري. فكرة المنطقة الآمنة تحتاج إلى حل الصراع أولاً. آمل أن أكون مخطئة ولكنني أرى صعوبة في المضي قدماً، سيستمر العنف لفترة من الوقت، ولا أرى أي بديل للحكومة. وباتت أحلام الانتخابات والديموقراطية بعيدة الآن. أفضل ما يُمكن أن نأمله في هذه المرحلة وقف النزيف. بعض الناشطين الأكثر عاطفية في عام 2011 يقولون علناً "توقعاتنا أقل بكثير، كل ما نريده هو الاستقرار، لا نحلم حقاً بعد الآن بهذه الديموقراطية النابضة بالحياة".


"ما حصل في سوريا محزن"


هل تتأثرين بالقصص التي تسمعينها عن الأحداث الدائرة في سوريا؟ "أنا في الأصل من سوريا، على الرغم من أنني لم أُقِم هناك، لكنني زرتها وتضررت مدينتي حلب جداً. ما حدث في سوريا هو من أكثر القصص الشخصية المؤثرة. لم تعُد سوريا ضمن العناوين اليومية للأخبار لأن هناك إرهاقاً طال المجتمعات الغربية حول هذا الملف، الأزمة ضخمة جداً ولا يمكن السيطرة عليها، والناس أصبحوا متعبين وعاجزين عن القيام بأي شيء. شاهدوا ما يكفي من البؤس، وتالياً باتوا ينتقلون إلى سماع أخبار أخرى. وجهة النظر الغربية تعتبر أنَّ الشرق الأوسط يشكل مجموعة من الحروب، لا يمكن فصلها عن بعضها. كما أنَّ انتخاب #دونالد_ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأميركية، شكَّل تحولاً في دورة الأخبار في الولايات المتحدة. وأسعى شخصياً في برنامجي إلى تناول الأحداث في سوريا بطريقة أو بأخرى، سواء كانت أزمة اللاجئين، أو الحرب ضد "داعش"، أو ما تفعله الحكومة السورية في هذا الصراع. ما يحدث مع اللاجئين في أوروبا كان محبطاً بالنسبة إليَّ، لأن هؤلاء الناس لم يرغبوا في المغادرة بملء إرادتهم. السوريون شعب يملك شعوراً بالفخر، خارج عملي عندما أرغب في المساهمة بجمع التبرعات أو تقديم نوع من المساعدات أو الأموال أجدهم يرفضون، يخبرونني بأنهم فخورون بأنفسهم لا يبحثون سوى عن فرص عمل. وإذا امتلكوا الخيار لرغبوا حتماً بالعودة إلى ديارهم، عوضاً من العيش في بلد غير مرغوب بهم فيه، أو في خيمة مع أولادهم خارج المدرسة. هذا شيء محزن بالنسبة إليّ!" تجيب غوراني.


من الفلسطينيين إلى السوريين معاناة واحدة؟


بات الإعلام يسلط الضوء على مسألة اللاجئين السوريين متناسياً الفلسطينيين والعراقيين، لمَ برأيك؟ تلفت غوراني إلى أنَّ "الفلسطينيين هجروا منذ عقود، وأصبح هناك 3 أجيال من الأطفال ينحدرون من أصل فلسطيني، يجدون أنفسهم في وضع صعب لا يمكنهم الحصول على العمل، وفاقدون للخدمات في البلدان المقيمين فيها. نأمل ألا يكون الحال مشابهاً بالنسبة إلى سوريا، لأنَّ استقرار الوضع سيدفع بالسوريين إلى اختيار العودة، لكنها مفعمة بالمخاطر إذ هناك الكثير من المدن المدمرة والمتضررة، لا يمكنهم العيش تحت سيطرة الجماعات المسلحة في مناطق غير آمنة لأطفالهم، فيما يرفض آخرون العيش تحت مظلة النظام الذي يعتبرونه المسؤول في المقام الأول عن تدمير منازلهم وأحيائهم. أما الفلسطينيون فالخيار أصعب بالنسبة إليهم. فعلاً إنَّ النسيج الأصلي للمنطقة محزن".


مخاضٌ أليم مرَّت ولا زالت تمرُّ به منطقة الشرق الأوسط كأنَّه كُتب على أبنائها من جيل إلى آخر عيش صراعات ونزاعات دموية، قتلت المئات منهم وشتت الآلاف وشردتهم في أصقاع الأرض.


[email protected]


Twitter: @Salwabouchacra

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم