الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

لماذا تسلّم واشنطن ببقاء بشار الأسد؟

روزانا بومنصف
روزانا بومنصف
لماذا تسلّم واشنطن ببقاء بشار الأسد؟
لماذا تسلّم واشنطن ببقاء بشار الأسد؟
A+ A-

صححت الديبلوماسية الاميركية المواقف التي اطلقتها في مسألة ان اخراج بشار الاسد من السلطة لم يعد اولوية، عبر مواقف جديدة لمندوبة الولايات المتحدة لدى مجلس الامن نيكي هيلي، عطفا على ما كان قاله وزير الخارجية ريكس تيلرسون ان الشعب السوري هو الذي يختار رئيسه على المدى البعيد من خلال القول "ان الاسد مجرم حرب وشعبه لا يريده". قد يكون التصحيح أتى في مكانه عشية قصف لإدلب أوقع عددا كبيرا من الضحايا دفع بالاوروبيين الى طلب انعقاد مجلس الامن والتنديد بقصف من النظام الذي قد تكون المواقف الاميركية منحته جرعة مناعة قوية للقيام بما قام بها تحت عنوان محاربة الارهاب، علما ان الاعتداء الذي حصل في بطرسبرج غير بعيد عما حصل في ادلب ايضا، ايا كان المسؤول عنه، روسيا او النظام. في اي حال، فإن المواقف الاميركية الاولى بقيت هي الاساس بالنسبة الى مصادر ديبلوماسية تعتبر ان ادارة الرئيس الاميركي دونالد ترامب منسجمة مع نفسها من ضمن العناوين الذي اطلقها الاخير خلال حملته الانتخابية عن التعاون مع روسيا لمحاربة تنظيم "الدولة الاسلامية" في سوريا، في ظل دعم معروف لروسيا لبقاء الاسد، وهو يستكمل المواقف التي اتبعتها ادارة سلفه باراك اوباما في هذا الاطار. التصحيح الديبلوماسي الاميركي لم يأخذ مداه في ظل معطيات تفيد بإقناع هذه الادارة، اضافة الى اقتناعاتها المبدئية لجهة عدم الرغبة في الانخراط في حرب في سوريا ضد روسيا وايران في هذا الإطار، من جانب دول لم تعد ترى ضيرا في بقاء الاسد مرحليا في غياب البديل. تعود دوما تجربة ليبيا وما نال رئيسها معمر القذافي وما حصل في ليبيا بعد ذلك الى واجهة الاسباب المقنعة في هذا الاطار، خصوصا ان حكم الجيش او العسكر لا يزال ينال الافضلية ازاء الخيارات البديلة، اي خيار الاخوان المسلمين الذي فشل وافشل في مصر وسواها ولم يعد يستسيغ الاميركيون او الغربيون العودة اليه، أقله في المرحلة الراهنة، في انتظار اعادة تأهيلهم. وهي تجربة تخوضها بعض الدول معهم، لكن جهوزيتهم غير مرجحة في المدى القريب، في حين ان الدول الغربية ترغب بقوة في إبعاد شبح الارهاب عن مدنها. وفي موازاة ذلك، لا يبدو الليبراليون العرب قادرين على لجم الموجات الاسلامية. وتجربة البديل من بشار الاسد كانت عبر التفكير والتشجيع على بديل، مما أدى الى تفجير القيادات الامنية في دمشق وترك هذا الخيار مفتوحا للمرحلة اللاحقة بعد المرحلة الانتقالية المستمرة مع الاسد راهنا.


ولم تكن مفاوضات جنيف الاساس الذي يرسي الحل في سوريا، لكن الموقف الاميركي قوض كليا هذه المفاوضات على قاعدة ان ما تسعى اليه المعارضة من انتقال سياسي لن يحصل، وربما لن تكون هناك ضرورة فعلية، باستثناء تطبيع الوضع بين النظام والمعارضة، على أساس قبول الاخيرة من ضمن حصة لها في الحكم يتردد في شكل حاسم انها نسبة 15 في المئة، أي النسبة نفسها التي عرضها وسطاء كثر على الرئيس السوري قبل بدء الانتفاضة في سوريا، من أجل إشراك المعارضة في الحكم وتجنب الأسوأ، فكان الخيار الاخير. وهذا هو الحل التي تعمل عليه روسيا مع سلة من النظام البرلماني والانتخابات الرئاسية من الشعب برعاية الامم المتحدة، وهما أمران لا يزال يرفضهما كل من الاسد وايران التي ترغب في أن يتاح للاسد انتخابه مجددا. لكن الامور متوقفة على طبيعة التفاوض الذي تجريه واشنطن مع ايران انطلاقا من معطيات يجزم بها مطلعون ديبلوماسيون، على رغم التجاذب الكلامي الحاد النبرة أحيانا بين الجانبين. فعلى أساس هذا التفاوض يتم رصد جملة أمور من بينها مثلا قياس حرارة انعكاسه على لبنان، وتحديدا عبر جنوبه، وما اذا كان استلزم في وقت من الاوقات تسعيرا للموقف قد يدفع لبنان ثمنه عبر اشتعال الحرب من الجنوب. هذه المعطيات تتناقض مع انطباعات او مخاوف مقابلة لجهة ترجمة التوتر الاميركي- الايراني في لبنان او عبره، في ضوء السقف العالي للمواقف الاميركية في هذا الاطار. لكن بما ان خيار الحرب اساسا مستبعد من اجل سوريا او العراق او اي بلد في المنطقة، فأن الخيار الآخر هو الحوار على قاعدة انطلاق تستند وفق ما تسوق هذه المعطيات الى الإقرار بأن اليمن سيبقى من ضمن النفوذ السعودي بعيدا من ايران، على رغم الانطباعات لدى البعض ان الحوثيين هم من يسجلون الانتصارات على الارض، في حين ان ايران حاضرة بقوة في العراق وسيكون لها نفوذها في سوريا إنما ليس بمقدار ما هي عليه في العراق، في ظل خلل سكاني لن تستطيع معالجته على رغم التغيير الديموغرافي الذي يعتمده النظام وايران في مناطق سورية عدة. هذا لا يعني ان حلا قريبا للحرب السورية محتمل في المدى المنظور، خصوصا في الوقت الذي تعقد فيه مؤتمرات كمؤتمر بروكسيل من اجل رؤية في مساعدة اللاجئين السوريين الذين لا يتوقع أن يعودوا الى بلادهم في المدى المنظور. ومن هنا الخطورة الكبيرة التي يستشعرها لبنان من جانب مسؤوليه من كل الاتجاهات، على قاعدة أن ثمة مخاطر تتهدده في ظل الزيادة العددية المتوقعة بين اللاجئين نتيجة الولادات المتزايدة بنسبة كبيرة، وفي ظل غياب حل يقضي بعودتهم الى بلادهم.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم