الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

عندما اتهم بري امين الجميل بـ"المزور"

رضوان عقيل
رضوان عقيل
عندما اتهم بري امين الجميل بـ"المزور"
عندما اتهم بري امين الجميل بـ"المزور"
A+ A-

لم ينقل بيان الامانة العامة لمجلس الوزراء بدقة وقائع جلسة الخطة الانقاذية لقطاع الكهرباء في قصر بعبدا في 28 الشهر الفائت قبيل توجه رئيس الجمهورية ميشال عون الى الاردن، وما رافقها من ردود اعتراضاً على تحوير مضمون ما دار وتم الاتفاق عليه اثناء مناقشات الوزراء وما توصلوا اليه، الامر الذي لم يترجم حقيقة ما حصل، ولم ينعكس مئة في المئة في بيان الامانة، ما اثار جملة ملاحظات وتساؤلات من وزراء حركة "أمل" وآخرين. الا ان تصريح وزير الاعلام ملحم الرياشي عقب الجلسة كان الاصدق تعبيراً عن حقيقة ما جرى التطرق اليه بين الوزراء حيال الخطة وخريطة الطريق الاصلاحية ودحض ما اوردته الامانة التي اظهرت ان جميع الوزراء وافقوا على الخطة، وان لا حاجة للعودة اليهم في متابعة ما تضمنته باشراف الوزير سيزار ابي خليل.
عندما تبلّغ رئيس مجلس النواب نبيه بري حقيقة ما حصل في "التلاعب الكهربائي" ارتفعت عنده حرارة "التيار السياسي" فعاد بالذاكرة الى الوراء عندما كان وزيرا في عهد الرئيس أمين الجميل عام 1984. وصدر آنذاك مرسوم باستحداث وزارة الجنوب والاعمار وتولاها بري الى جانب وزارة العدل، وجرى تخصيص مبلغ 10 ملايين ليرة للوزارة الجديدة. وعندما اجتمع الوزراء في الجلسة التالية تبين لبري حصول تبديل في مضمون بيان الامانة العامة، الامر الذي دفعه فوراً الى اتهام الرئيس الجميل بـ"التزوير" وحصول قطيعة بينهما لم تنته الا بحضور وزير الخارجية السوري عبد الحليم خدام آنذاك ولقاء الثلاثة الى جانب عدد من الوزراء في دارة الجميل في بكفيا.
في تلك الجلسة وبعد دخول الجميع في حوار ساخن، سأل خدام بري: "كيف تقدم على اتهام فخامة الرئيس بالتزوير؟". فرد بري: "نعم هو مزور". وخاطب خدام الجميل: "هذا الامر المرفوض يا فخامة الرئيس، وفي حال حصوله في البلدان الديموقراطية تسقط حكومات". واصر الجميل على القول وتأكيد عدم حصول تزوير في المحضر. لم يسكت بري وصمم على متابعة هذه الواقعة الى نهايتها وتأكيده حصول تزوير في مستند رسمي. وقال امام الجميع: "انا اقبل بتحكيم الوزير جوزف سكاف من خلال العودة الى اجندته - كان يسجل حتى لو بدل الوزير صوت حنجرته في الجلسة - وانا اثق به وبمضمون اجندته". عندها أقفل الجميل الحديث على طريقته وتصالح وبري برعاية خدام، وتوجه الجميع الى الغداء. وكان اللواء غازي كنعان يحضر للمرة الاولى مثل هذه اللقاءات. ولم تبرد هذه الجلسة الى ان سأل الجميل بري: "يا معالي الوزير، هل أحببت مارونياً واحدا؟". فأجابه: "نعم أحببت طانيوس شاهين لأنه وقف في وجه الاقطاع الذي تنتمي انت اليه". عاد خدام هنا واخذ الكلام مرة اخرى، "وشو بدك بالهشغلة يا فخامة الرئيس". وعمل مرة اخرى على ترطيب الاجواء بين الرجلين.
في حكومة الرئيس عمر كرامي في العام 1992، يحل بري وزير دولة في عهد الرئيس الياس الهراوي. وكان قد تم التطرق في احدى جلسات الحكومة الى تعيين امين عام لوزارة الخارجية، وجرى طرح اسم السفير فؤاد الترك لهذا المنصب، ولم يحظ بالاجماع المطلوب وسط صدور جملة من التساؤلات من وزراء مؤيدين له الى جانب معارضين، الا ان الهراوي المحنك ختم النقاش على طريقته الزحلاوية - التي تحظى باستحسان بري - "يلا يلا بعدان منشوف"، وهو كان يميل الى الترك. وخرج الوزراء بري ومحسن دلول وعبدالله الامين وايلي حبيقة وآخرون ولم يحسموا ما اذا كان تم تعيين الترك ام لا.
بعد ارفضاض الجلسة وعودة الوزراء الى منازلهم وسط حيرة رافقت البعض، اصر بري وثلاثة وزراء على التوجه الى منزل كرامي في بيروت ودخلوا عليه وكان الرجل يركع على السجادة يؤدي صلاة المغرب، ففوجئ بحضورهم. وسألهم: "خير انشالله هلق كنا سوا. نقزتوني". سأله بري: "يا دولة الرئيس، هل تم تعيين الترك؟"، فأجابه:"ابداً". اقدم كرامي بعدها على اجراء اتصال بالامين العام لمجلس الوزراء هشام الشعار وسمع منه الجواب الذي صدمه: "نعم جرى تعيينه، وهذا ما يريده فخامة الرئيس". وقبل ان يستعد كرامي لصلاة العشاء قال: "خلص يجب ان اقدم استقالتي".
لم تنته هذه الواقعة بسلام عند بري ايضا الذي القى خطابا ناريا في النبطية اطلق فيه جملا قاسية في حق الهراوي. وعاد الى التذكير بقصة الجميل و"تزويره". ورجع خدام مرة اخرى لتقريب وجهات النظر بين الهراوي وبري، ولا سيما ان الاخير اول من عمل وطالب بضرورة وضع نظام داخلي لمجلس الوزراء. وبدأ بالاعداد لمرسوم له، عندها جاء الرئيس رفيق الحريري وحل رئيساً للحكومة. وذهب المرسوم الى الادراج.
يقول رئيس المجلس اليوم بعد "واقعة الكهرباء" الاخيرة في حكومة الرئيس سعد الحريري، ان ما حصل هو نتيجة عدم وجود نظام داخلي لمجلس الوزراء: "دلّوني في كل العالم هل توجد جمعية من دون نظام حتى لو كانت جمعية للرفق بالحيوان؟". ولدى سؤاله ان ما حصل حيال خطة الكهرباء من تشويش ضرب صدقيتها امام الرأي العام، يرد امام زواره بغضب: "لا مشكلة في ضرب الخطة والتصويب عليها، لأن المهم ألا تضرب وتفخت جيوب المواطنين".


[email protected]
Twitter: @radwanakil

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم