الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

"عجيب قدر السيد والسيّدة وللاّس" إخراج طموح وماهر فاليري فنسان راهنت على مغزى المسرحية والانفعالات العنصرية

مي منسى
"عجيب قدر السيد والسيّدة وللاّس" إخراج طموح وماهر فاليري فنسان راهنت على مغزى المسرحية والانفعالات العنصرية
"عجيب قدر السيد والسيّدة وللاّس" إخراج طموح وماهر فاليري فنسان راهنت على مغزى المسرحية والانفعالات العنصرية
A+ A-

لأنها مولودة من ضلع المسرح، حيث تربّت أحاسيسها البكر ورؤاها المتفتّحة على الوجود، يصح القول بفاليري فنسان، الشاهد سجلّها الإخراجي إلى اليوم، على خمس عشرة مسرحية بين فرنسا ولبنان، بأنها في مسرحيتها "عجيب قدر السيّد والسيّدة وللاّس" التي تعرض على "مسرح المدينة"، تتحدّى المصاعب التي تعترض كل من يطلب الكمال، وتقامر على الخيل الأصيلة تلك التي تصنع المسرحية ووهجها، وتربح.


للتآلف مع أجواء العرض، وضعت فاليري فنسان، هذه المصابة بداء المفردات، كتيّباً من الورق المصقول على المدخل، يفيد بفحوى الموضوع، وكل من شارك في إحيائه من صانع الديكور فريديريك زرازير، وتقني الإضاءة محمد فرحات، ومهندس المؤثرات الخاصة إيلي بدجوك، إلى مهندس الصوت هيثم حاتمه. وحين يكتمل المشهد في خيالنا ننتقل إلى هويّة الممثلين وصفة الدور الذي يؤدّونه: سيسيل لونجي في دور نيكول وللاّس، جو أبي عاد في دور جون وللاّس، سيريل جبر في دور تيرّي، محمد سيديبيه في دور الملاك- العبد، وناومي الدمية السوداء المتحرّكة على "الريموت كونترول". هذه الشخصية الأساسية في المسرحية، خصّصت لها فنسان، صفحة في الكتيّب هدفه إنارة الحضور أثناء العرض، حيث تغدو الدمية كائناً حيّاً، حاملاً معنى كبيراً: هل الأطفال يغيّرون العالم؟
"الدمى الحيّة ظهرت في بداية التسعينات في الولايات المتحدة، بتقنيّات هوليوودية، إلى أن طوّرتها الأنترنت. لقد بحثت عن دمية حيّة طوال اشهر ولم أحظ بها سوداء كما يقتضيه الدور سوى في إنكلترا، دمية لا حياة فيها إلى أن تولّى إحياءها، تبكي وتتحرّك، إيلي بودجوك وهيثم حاتمه".
الكاتب والمخرج الفرنسي جان لوي بوردون، كتب للمسرح قصة رجل أميركي تربى في المسيسيبي، مسحوقاً من أم نفحت فيه سم الكراهية والرفض للون الآخر، تحت راية حياة بورجوازية، كريمة. هي قصّة جون وللاّس المستريح في عنصرية وراثية، أوصلته إلى المسؤولية الكبرى في منظّمة كلو كلوس كلان، المناهضة للعرق الأسود.
هي قصة إمرأة تربّت في جو من العنف والقساوة، أخذها تحت جناحه قبضاي محلي، وبعد وفاته راحت تتاجر بجسدها في مونتغمري، الحي الأسود، إلى أن التقاها جون وللاّس فأخذها تحت حمايته وأعادها إلى جذورها بزواجه منها. بعدما أجهضت لم تعد قادرة على الإنجاب.
وأيضاً هي قصة الطفلة السوداء التي وجدتها نيكول في مكب النفايات فحملتها وقلبها يهفّ إلى هذه الهدية المعطاة لها من السماء. ويطل تيري في النهاية، الحامل خطايا البشرية فيه، جباناً، مغفّلاً، مدمناً الكحول والجنس.
السينوغرافيا مثقلة بالمعاني، تعكس جوّاً حميماً مصنوعاً من الخشب، ما إن تنفلش الإضاءة عليه حتى يفضح توازناً هشاً. السلّم، العنصر الأساسي في هذا الديكور، يتوقف عند صحن فارغ، يتدلى عليه سرير طفلة، حياتها هي أيضاً معلّقة بخيط. هو المكان الذي تلجأ إليه نيكول كلّما دهمها الخطر.
الموسيقى إفريقية، قبلية، حزينة. ساهرة هي على هذا الجسد الأسود الممدد على الأرض. يشقى لينهض. يداه ورجلاه مكبلة بجنازير. يقول: "الموت أفضل من الحياة. ليتني أستطيع أن أتنفّس من دماغي، ليتني أحيا على أن أموت باستمرار، ليتني أعود إلى أصالة الأيام الأولى".
هذا الكائن بلون الشمس المحروقة لم يكن له دور في النص الأصلي. إنه الضمير الذي كان يوسوس في رأس فاليري فنسان إلى أن أعطته جسداً. في مستهل المسرحية يبدو ضائعاً، روحاً هبط في دار جون ونيكول وللاّس، رسالته تغيير العالم. من كلماته تستمد نيكول ما سيقنع زوجها بقبول ناومي الطفلة السوداء.
تدخل نيكول إلى البيت حاملة بقجة: "طفلة مرمية على القمامة. إنها هدية من الله تعويضاً عن عقمي". جون الرافض اللون الأسود المتطفّل على حياته يجيبها: "الله لا يرسل أولاداً في مكبّات النفايات".
سيسيل لونجي آسرة في شخصيّة نيكول، حنونة، درامية، ظريفة، بريئة، مشرئبّة في دفاعها عن حقها في أن تكون أمّا بالتبني وعن حق الطفلة في الحياة. هي الشخصية المناقضة لجون.
جو أبي عاد تقمّص بامتياز شخصية جون وللاّس، الرجل المعجون بالكراهية للعرق الأسود. النزاع بينه وبين نيكول سيؤدي شيئاً فشيئاً إلى محاسبة نفسه. الطفلة، بعدما اعتبرها خطأ أربكت حياته، تنبّه لما قالته له نيكول، بإذعان من العبد - الملاك: بل أنت هو الخطأ.
المواجهة بينه وبين العبد - الملاك أضافتها فاليري فنسان إلى النص الأصلي. كان لا بد لشيطان الكحول من أن يفعل فعلته في وعي جون ويسكره حتى تتم المواجهة بينه وبين العبد- الملاك. المشهد قوي ومؤثر، يحض هذا المتمرّد على يقظة ضمير.
لكن الشيطان العابث بضمير هذه العائلة هو تيرّي. سيريل جبر، جاء في القسم الأخير من المسرحية، مفصّلاً على قياس السوقي، العنصري حتى الانتقام من عائلة وللاّس. ظريف وعنيف، يفاجأ بالطفلة السوداء في بيت مسؤول في منظمة الكلو كلوكس كلان فيقرّر الانتقام. محمد سيديبيه الممثل والراقص في فرق مسرحية مالية، جاء بدعوة من فاليري فنسان ليكون الروح التي ستلقن جون وللاّس المحبة والقبول بالآخر. المشهد الذي به ختمت المخرجة تراجيديا العنصرية، جرى تحت إضاءة نائصة. ناومي الطفلة يهدهدها العبد- الملاك بين ذراعيه.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم