الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

"حَلّنا"

جمانة سلّوم حداد
A+ A-

"أنتِ كاتبة معروفة وناشطة في مجال حقوق المرأة، وقد استطعتِ من خلال هذين الميدانَين إحداث اختراق نوعي. ألا تعتقدين أن خياركِ الترشح للانتخابات النيابية لن يمكّنكِ من تحقيق الغايات المنشودة من هذا الترشّح، بسبب شبكة المصالح الرهيبة والخدمات المتبادلة التي نسجتها الطبقة السياسية في ما بينها، والتي تحول دون قدرة شخصيات حرّة ونبيلة من أهل الثقافة والمجتمع المدني من إحداث الاختراق المماثل في عالم السياسة؟ شو صاير عليكي؟".
هذا السؤال الحقيقي والمحرج في آن واحد، يتردّد أمامي حيث ذهبت، في جولاتي واجتماعاتي لعرض رؤيتي للعمل السياسي. وهو يعكس في جانب منه مسألتَين أساسيتَين لا يمكن إغفالهما: الأولى أنه يعبّر تماماً عن خيبة أمل المواطنين من نوّابهم وممثّليهم ومن أحزابهم وطوائفهم، ويعبّر من جهة ثانية عن يأس هؤلاء المواطنين من إمكانات تحقيق اختراقٍ في البنية السياسية، موازٍ للاختراق المتحقق في البنية الثقافية والمدنية.
جوابي الحازم والنهائي هو الآتي، وهو ليس شعاراً استعراضياً أو دونكيشوتياً: الأمور نسبية دائماً. ولأنها نسبية، لا يجوز القبول بالأمر الواقع. ولا يجوز الوقوف مكتوفي الأيدي أمام الدوران في الحلقة المفرغة.
واجبي هو أن أحاول "على الأرض"، ومن داخل مؤسسات السلطة. وأن أعاود الكرّة. وألاّ أستسلم. هذه هي مسؤوليتي ككاتبة وناشطة، وهي مسؤولية الثقافة مطلقاً. هذا النوع من الثقافة ليس عملاً نخبوياً. الثقافة مسؤولية بنيوية، تحتية، ويجب أن تتجلّى في السياسة، وفي الإدارات، وفي إقرار القوانين غير المسبوقة، وفي اقتراح مشاريع القوانين التي من شأنها إحداث نقلة نوعية في العمل السياسي.
إذا لم تخترق الثقافة الحدود التي تفرضها سلطات الأمر الواقع، إذا لم يصبح المثقف الحرّ وزيراً، أو نائباً، أو موظفاً كبيراً، فكيف يمكنه المساهمة (من الداخل) في انتزاع مشاريع القوانين التي تمنع العمل السياسي للأحزاب غير الطائفية (مثلاً)، وتحمي المرأة، وتجعلها متساوية بالرجل في الحقوق والواجبات، وتساهم في انتزاع المناصفة، وفي منع تشغيل الأطفال، والى ما هنالك من قضايا تنقلنا الى دولة حضارية مدنية إنسانوية؟
العمل "من خارج" مهمّ جداً، لكن العمل "من داخل" يفرض تحديات مزدوجة ورهيبة، تجاه الذات وتجاه الآخر، يجب أن يواجهها المثقف. فالثقافة هي أيضاً وخصوصاً، ثقافة سياسية، تشريعية وتنفيذية. تعميم هذه الثقافة هو مسؤولية الأفراد والمجموعات الذين يملكون أفكاراً ومشاريع، تتخطى الحيّز الفكري والإبداعي، وتطاول فكرة الأنسنة والحق والقانون والعدالة والحرية والمساواة والديموقراطية.
لبنان يجب أن يصبح دولة للثقافة. للثقافة السياسية الراقية. هذه مسؤوليتنا جميعاً. "حَلّنا".


[email protected] / Twitter: @jhaddadofficial

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم