الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

"خيوط السرد" لكارول منصور: بين النظرة الجانبيّة وفلسطين والمقاومة بالتطريز!

المصدر: "النهار"
هنادي الديري
هنادي الديري https://twitter.com/Hanadieldiri
"خيوط السرد" لكارول منصور: بين النظرة الجانبيّة وفلسطين والمقاومة بالتطريز!
"خيوط السرد" لكارول منصور: بين النظرة الجانبيّة وفلسطين والمقاومة بالتطريز!
A+ A-

كانت اللقاءات حميميّة في اطلالتها ومؤثّرة في بساطتها.
وخلف "سكونها الصاخِب"، تربّصت الذكريات و"أنغامها" التي لم تتمكّن الأيام من محو لحنها الحزين.


وتلك الغصّة العالِقة في مكان ما في نظرة العيون التائهة، والمُتجهة هناك حيث الأحلام ما زالت مُمكنة. هناك حيث الضحكات السَعيدة تَرقص على أنغام "الخبريّات" والأحاديث الجانبيّة. هناك حيث تفاصيل اليوميّات التي لم تكن قد بدأت بعد "بلملمة أطرافها". هناك حيث لم تكن قد بدأت بعد محاولاتها المُتكرّرة للاختباء خلف نصف ابتسامَة عارِفة وصابرة.





عشرات الذكريات.
والصور.
والمَشاهد.
والصيحات الصامِتة.
والصرخات الداخليّة.
والأحاسيس المُتضارِبة.


وعلامات الاستفهام التي حاولت من خلالها السيّدات الـ12 محو غُبار الأيام.
لماذا كل هذا الظُلم؟



 


لماذا هذا الإصرار من النظرة الجانبيّة على الغوص هناك حيث طيف السعادة يحضن الأشكال الغارقة في حب بلد يَنتَفض يوميّاً على الطغيان؟


لماذا هذا التعلّق بذكريات تتأرجح بين سيطرتها الكاملة على الذاكرة وإاجتياحها الكُلّي للروح؟


...ولحن #فلسطين الحزين والمُغلّف بالثورة يتحوّل زينة الشريط الخلفيّة.


خلال هذه اللقاءات الجميلة في صدقها، كانت المُخرجة اللبنانيّة ذات الجذور الفلسطينيّة، كارول منصور، والباحثة ذات الجذور الفلسطينيّة أيضاً منى خالدي، تجلسان لما يُقارِب الساعتين مع كل سيّدة وَقع الاختيار عليها لتروي فلسطين التي تعرفها. فلسطين التي ما زالت تنتظر فستان عرسها المُزركش بأحلام كانت ستولد لولا خطط القدر الأخرى! تلك الخُطط التي كادت أن تأخذ معها كل شيء لولا هذه العزيمة التي كُتب فيها الكثير.ط


ساعتان وربما أكثر. لم تطرحا العديد من الأسئلة، ولم تكن الجلسة قاسية أو جامدة. طرحتا بعض أسئلة على كل سيّدة. ثم استمعتا إلى الذكريات التي انبثقت من "هال كم سؤال".



 


كانت الجلسات مُسترخية. كان لا بدّ لكل سيّدة من أن تكون مُرتاحة وهي تروي أمام الكاميرا فلسطين من منظارها، انطلاقاً من قصّتها، ولحظة تهجيرها، أو عودتها، أو عدم تمكنها من العودة.


كانت الجلسات حميميّة. ساكنة. لا يَقتَحم هذا الهدوء الذي يُغلّفها سوى صدى الذكريات المدوّي. وأيضاً صرخات النساء الداخليّة. صيحات دموعهن التي حاولن جاهدات أن يكظمنها. ولكنها انتصرت عليهن في بعض لحظات.
"خيوط السرد".


بهذا العنوان يطل الشريط الوثائقي الرائع في إنسانيّته، الذي تَستعد كارول منصور لتقدّمه في الجامعات اللبنانيّة، المهرجانات العالميّة، والمُخيّمات الفلسطينيّة في لبنان.
12 مقابلة مع سيّدات يعشن فلسطين نَفَسهن اليوميّ.


تجتمعن حول حبّهن لبلدهن، وتمسّكهن بفن التطريز التراثيّ الشعبيّ الذي يتعاملن معه كأنه أحد عناصر المُقاومة المحوريّة.


بين فلسطين والتطريز أحاديث أكثر قوّة في وَقعها من القنابل والعنف والطغيان.
إحدى السيّدات تهتف: "راحت البلد وضلّ التطريز. ما حدن في ياخد التطريز منّك. هيدا تطريز بلدي. صار شي قومي لألي! ولاء! وفاء!".
أخرى تؤكّد بثورة شبابيّة، "التطريز يُجسّد بالنسبة إليّ الحياة الفلسطينيّة ماضياً وحاضراً. هو التاريخ. فيه يكمن دور المرأة في فلسطين. التمسّك بالتطريز والإصرار على تقديمه للآخرين وممارسته طقساً يوميّاً هو نوع من المقاومة الثقافيّة. هي طريقة للحفاظ على تراثنا الثقافي. وهو أيضاً نوع من المقاومة الفلسطينيّة"!


العُنصر المحوريّ للشريط يبقى بطبيعة الحال، فلسطين، ولكنه يمرّ بالتطريز المُترسّخ في الثقافة الفلسطينيّة وتاريخها، مُحوّلاً القصص الـ12 التي صوّرت ما بين لبنان وعمان، قصّة موحّدة تلتحم عناصرها.
12 امرأة فلسطينيّة من جميع الطبقات الاجتماعيّة وجميع الأعمار يُقدّمن "فلسطينهن" أمام الكاميرا.



 


Stitching Palestine - Trailer from Forward Film Production on Vimeo.


وما بين المُقابلات الأقرب إلى جلسة مرتاحة بين الأصدقاء والصور التاريخيّة والخرائط الزاهية، تتتالى المشاهد التي تَنساب بأسلوب مُشوّق.
استغرق العمل على الشريط 4 سنوات، وكَتَبت الصحافيّة والكاتبة المُتميّزة سحر مندور النصّ الذي يَربط القصص بأسلوب روائي يوقِع الحزن "اللذيذ" في النَفس.


الجلسات مع النساء كما تؤكّد لنا كارول منصور كانت مؤّثرة ومؤلِمة وجميلة في آن.
كل الحوادث التي وَقعت قبل العام 1948 وبعده، ما زالت تُهيّمن على حياة السيّدات الـ12، وتُهدّد أحياناً بـ"غزوها" بلا رحمة.
ويبقى سؤال: "لمَ كل هذا الظُلم؟"، العُنصر الأكثر بروزاً ما بين مشهد وآخر في الشريط.



 


ويبقى فن التطريز عنصر المُقاومة الأكثر رقّةً وسط كل هذه الحوادث المرعبة في واقعيّتها.
...وطيف فلسطين بثوب عرسها الذي سترتديه يوماً يطل في كل ثانية.
وفي صورته النهائيّة، يبقى "خيوط السرد"، قصّة إنسانيّة عائدة من التاريخ، تنتظر هذا اليوم المُشرِق الذي تَرمُقه بنظرتها الجانبيّة المُوجعة منذ أعوام، لتبدأ تاريخاً جديداً.


[email protected]


 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم