الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

ميراي مرهج ورانيا عطوي ورياض نعمة في "آرت سبايس" \r\n"بصمات مدينة" كانت وستبقى جمرة إلهام للفنانين

محمد شرف
ميراي مرهج ورانيا عطوي ورياض نعمة في "آرت سبايس"   \r\n"بصمات مدينة" كانت وستبقى جمرة إلهام للفنانين
ميراي مرهج ورانيا عطوي ورياض نعمة في "آرت سبايس" \r\n"بصمات مدينة" كانت وستبقى جمرة إلهام للفنانين
A+ A-

المعرض الجماعي، أو المشترك، الذي تقيمه "غاليري آرت سبايس"، الحمرا "، تحت عنوان "بصمات مدينة"، يضم أعمالاً لثلاثة فنانين هم ميراي مرهج، رانيا عطوي، ورياض نعمه... المدينة صاحبة البصمات هي بيروت، التي كانت وستبقى مصدراً لإنطباعات مختلفة، ليس في مجال الفنون البصرية فحسب، بل في مجالات أخرى كثيرة، شأنها شأن أي مدينة أخرى تمتلك خصوصيات عديدة قد لا تمتلكها المدن جميعها. ثمة مدن لا نسمع عنها الكثير، وقد لا نعرفها، لكون الدور الذي لعبته على الصعد كافة لا يرتقي إلى تميّز ملحوظ كالذي تتمتع به العاصمة اللبنانية، لما مرّ عليها من حوادث، وما شهدته من متغيرات.
تعتمد أعمال الفنانين الثلاثة مقاربات مختلفة للموضوع، وربما تمثّل هذه النقطة، في غالب الأحيان، إحدى إيجابيات المعارض الجماعية في شكل عام، لكونها تسمح بالمقارنة بين هذا المدخل أو ذاك، لا على الصعيد التقني فحسب، بل على صعيد الرؤيا والأفكار المحورية. كما أنه غني عن الذكر إن المداخل الكلاسيكية، التي يبقى فيها دور الفنان أقرب إلى الموضوعية والواقع المباشر، لم تعد تُطرق أبوابها كما في السابق، علماً أن بعض الأعمال المتحدرة من هذا الأسلوب كانت حافظت على مستوى فني لائق، ولها جمهورها الخاص.
هذه الموضوعية، في انعكاسها الواقعي المذكور آنفاً، تغيب عن أعمال ميراي مرهج، الفنانة التي نرى أعمالها في المعرض، علماً أن هذه الأعمال لا تجنح صوب التجريد، بل هي أشبه بموزاييك تتداخل ضمنه لوحات إعلانيّة بالعربية والأجنبية، وقامات بشرية وبورتريهات لشخصيات معروفة، وعناصر كثيرة أخرى. تستلهم مرهج أسلوب الرسوم المتحرّكة، وتقول إن اللوحة انعكاس لحال الرسام الذهنية، وهذه الحال، بالنسبة إلى مرهج، يكتنفها في الوقت الحاضر شعور بالحنين إلى الماضي المجيد، وإلى بيروت مختلفة سادت فيها العاطفة والرحمة والتسامح والجمال والوئام، بالمقارنة مع العنف الذي نشهده حاضراً، المقترن بقساوة العصر الحالي. حتى الرسوم المتحركة كانت حينها، كما تضيف مرهج، أكثر طرافة وسلاسة، وبعض أبطالها شخصيات أنثوية رومنطيقية، على خلاف ما نراه في الوقت الراهن، الذي تحتل فيه صورة الأنثى المقاتلة مكاناً بارزاً.
هذه الرومنطيقية، على وجوهها المتعددة من حيث المبدأ، حاضرة في أعمال رانيا عطوي، التي يبدو أن موضوعاتها ذات علاقة مباشرة بالشاطئ البيروتي الممتد من عين المريسة إلى منطقة الروشة، وربما بالحوادث الحاصلة على شاطئ عين المريسة أكثر من سواه. ليس من العسير إكتشاف أن عطوي تزور هذه المنطقة وتعاينها غالباً. ثمة شريط فيديو في المعرض يؤكّد هذه الفرضية، بل تذهب القصة أبعد من ذلك، إذ ترصد وجود أشخاص في عينهم كانوا بنوا علاقة وثيقة مع المكان، بحيث يمكن رؤيتهم فيه في غالب الأحيان، من أناس يزاولون رياضة المشي، إلى آخرين يرقصون أو يدخنون، وصولاً إلى ذلك الرجل الذي يتخذ من الكورنيش مكاناً لجلسته اليومية مع نارجيلته، فيتحقق له "شرف" الإستحواذ على لوحة خاصة به تمثّل حركته منذ لحظة وصوله إلى المكان، مصطحباً "العدّة" اللازمة للنارجيلة، انتهاء إلى تركيز جلسته أمام المشهد البحري. هذا، وتتبع عطوي في أعمالها تقنية مختلطة، تتدخّل فيها الصورة الفوتوغرافية مع تقنيات لونية أخرى، وتتخذ بعض أعمالها طابعاً بانورامياً بهدف عكس المشهد في كليته.
أما أعمال رياض نعمة، وهو الثالث المشارك في المعرض، فتبدو كأنها طوابع بريدية كبيرة الحجم. لكن، وعلى عكس ما تكون عليه هذه الطوابع حين ترتسم على صفحاتها صور لشخصيات معروفة من عوالم السياسة والمجتمع، يضع نعمة صوراً لأناس عاديين: أطفال ومراهقون، وملثمون بكوفيات وجنود. كأنّ الفنان يريد القول إن الطوابع البريدية لا ينبغي أن تكون حكراً على المشاهير، بل يمكن أن تتوزع موضوعاتها وتتنوع كي تطاول الناس جميعاً، بصرف النظر عن مكانتهم الإجتماعية. فالمهمشون جزء من هذا المجتمع الذي كان له دور، بشكل أو بآخر، في تهميشهم. وهذه المدينة، أو أي مدينة أخرى، تضم جحافل من الأفراد المنسيين، وتلك ميزة أخرى من مميزات العالم الحديث، القاسي، التي كنا أشرنا إليها في ما سبق.


■ فنان تشكيلي وناقد وأستاذ جامعي.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم