الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

قانون انتخاب على الطريقة اللبنانية

النائب الدكتور فريد الخازن
قانون انتخاب على الطريقة اللبنانية
قانون انتخاب على الطريقة اللبنانية
A+ A-

قانون الانتخاب هذه المرة صناعة لبنانية، ولاسيما في المواد الاولية: طوائف ومذاهب ومناطق وطبعاً قوى سياسية. ليس مستغربا ان يستغرق اقرار قانون انتخاب جديد وقتاً طويلاً وجدلاً مضنياً تتداخل فيه المناورة والمماطلة وحسابات الربح والخسارة في زمن لم يعد للوحي أو للفرض الدور الذي لازم اقرار قوانين الانتخاب في مراحل سابقة.


وعلى رغم النقاشات المستفيضة، بدءاً بلجنة فؤاد بطرس في 2006 ولاحقا في لجان رسمية وأخرى شبه رسمية، ظلت المراهنة ضمناً على الامر الواقع، فيتم اعتماد القانون النافذ من باب الضرورة، الى ان جاء موقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون حاسماً لجهة اقرار قانون انتخاب جديد، بعيداً من التمييع وهدر الوقت، فتبدّل المشهد السياسي المألوف وانطلق البحث الجدي عن قانون انتخاب جديد. ولا مبالغة في القول إن لبنان سجل رقماً قياسياً في الصيغ المطروحة لقانون الانتخاب. والنتيجة الى الآن توافق سياسي على اقرار قانون جديد وعلى مبدأ اعتماد النسبية. تقدّم في الشكل وتعثر في المضمون، حيث التباينات لا تزال قائمة، على رغم ان المقاربات المتبعة تراعي الهواجس، المعلن منها والمستور. ثمة ارضية مشتركة لا بد منها، ركيزتها وحدة المعايير وعدالة التمثيل.
الجديد في النقاش الدائر نظام الاقتراع النسبي، وهو بلا شك أكثر عدالة في التمثيل من نظام الاقتراع الاكثري. محور جديد أُضيف الى المشهد السياسي، فبات للنسبية مؤيدون ومعارضون ومشككون. وفي النقاش العام تراجع الكلام عن الدوائر الانتخابية التي هي في صلب الاجتماع السياسي اللبناني. فالنسبية، كاملة كانت أم جزئية، ليست شعاراً ولا هي بديلاً من الدائرة الانتخابية، في لبنان أو في أي بلد في العالم.
لقانون الانتخاب وظائف عدة، أبرزها تفعيل التنافس الديمقراطي على قاعدة التمثيل الصحيح لكل مكونات المجتمع. في المجتمعات المتجانسة، قانون الانتخاب يعكس التنافس بين قوى سياسية، غالباً ما تكون حزبية، سواء كانت البلاد دائرة انتخابية واحدة أو دوائر متعددة. أما في المجتمعات التعددية، مثلما هي حال لبنان، فلا بد ان يراعي قانون الانتخاب التنوع السياسي والمجتمعي فيؤمن الاستقرار المطلوب. ومن وظائف قانون الانتخاب في المجتمعات التعددية تعزيز الاستقرار. فاستناداً الى تجارب دول ومجتمعات عدة، قانون الانتخاب بحدّ ذاته لا يوحّد المجتمع المنقسم ولا يلغي العصبيات والانتماءات الاولية، كما انه يجب ألا يكون سبباً للفرقة وان كان لا يُرضي الاطراف السياسيين جميعاً. وفي احسن الاحوال قانون الانتخاب يجمّد الانقسامات أو يرحّلها، الا انه لا يلغيها. التحولات المجتمعية الفعلية ممكنة في دول ديمقراطية ومجتمعات مستقرة ترعاها القوانين لفترة زمنية طويلة.
كما ان الاعتدال في الخطاب السياسي، الذي درج ربطه بقانون الانتخاب، سائد عادة في المواسم الانتخابية، في الدوائر المختلطة تحديداً، وغائب في زمن الازمات الحادة بمعزل عن قانون الانتخاب. لم تندلع الحروب في لبنان أو في دول الجوار العربي أو في اماكن أخرى في العالم بسبب قوانين الانتخاب، ولم تنته بسبب اعتماد قوانين انتخاب جديدة. في عراق ما بعد صدام حسين اعتُمد قانون انتخاب بنظام اقتراع نسبي والبلاد دائرة انتخابية واحدة بهدف تعزيز الوحدة الوطنية، الا انه تم اعتماد قانون انتخاب آخر على اساس المحافظات في الانتخابات اللاحقة. الانقسامات في العراق تفاقمت بمعزل عن قانون الانتخاب.
أما الازمات المرتبطة بادارة شؤون الدولة والاقتصاد والانماء وسواها، فلا حلول لها حصراً بقانون الانتخاب. ففي لبنان، مثلاً، قانون الانتخاب بحد ذاته لا يوقف الهدر والفساد، بل اصحاب القرار المؤثر في السلطتين التنفيذية والتشريعية. جمع الناس ودمجها باسم شعارات واهية لا جدوى منها، وخصوصاً عندما يكون التداخل بين السياسي والطائفي والمذهبي والمناطقي أقوى شأنا من أكثر قوانين الانتخاب مثالية.
في الدول الاكثر ديمقراطية والتزاماً لحقوق الانسان، قانون الانتخاب العادل في نظر مواطني تلك الدول ليس كافياً للحؤول دون محاولة اسكوتلندا، مثلاً، الانفصال عن المملكة المتحدة او سواها من الانفصال لاسباب متنوعة، مثلما هي حال كندا وبلجيكا. وفي الحالة اللبنانية قانون الانتخاب لا يلغي الطائفية والعصبيات على أنواعها بل يفاقمها اذا لم يرضِ مكوناتها. الغاء الطائفية السياسية لا يتم بقرار ولا بالدمج القسري للعصبيات، بل يمكن وضع الاسس الاولية لتجاوز الطائفية بقيام دولة القانون، ومن شروط نجاحها التزام الدولة واركانها القوانين.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم