الثلاثاء - 16 نيسان 2024

إعلان

"كيف كان العشا؟" مسرحية تغرّد في قفص الزواج على "مسرح مونو"

مي منسى
"كيف كان العشا؟" مسرحية تغرّد في قفص الزواج على "مسرح مونو"
"كيف كان العشا؟" مسرحية تغرّد في قفص الزواج على "مسرح مونو"
A+ A-


هي مسرحية "عشاء مع الأصحاب" للكاتب الأميركي دونالد مارغوليس، نالت "جائزة بوليتزر" العام 2000، وتعرض الآن بترجمة ملبننة لجوزف زيتوني، وإخراج كارلوس شاهين تحت عنوان "كيف كان العشا؟" على "مسرح مونو". الحب والالتزام والزواج، عناوين ثلاثة تشكّل اللازمة التي يعاد تكرارها في كوميديا حياتية أليفة كل مجتمع، لا أمواج عاتية تزعزع أساساتها، لا دراما محوكة على نول الانفعالات الكبرى، بل مرآة نقيّة، لا غبش عليها، تعكس للمشاهد أموراً من معيشه، مستورة أكانت أم مكشوفاً عنها صدأ الوجود.


من مقعده تتسنى للمشاهد المقارنة بين شخصيات المسرحية وبينه، وربما يتماهى بها على قدر استيعابه حقيقته. لكن المقصد من هذا العرض ليس في المقارنات بين لينا وكارن وتوم وغابي، شخصيات المسرحية، وجمهور "مونو"، من شتى الأعمار والحالات، من المتجرّب في مآزق الزواج، الملسوع بقرصاته، ومن ذلك الذي لم يتسنّ له اختباره بعد، ومن هذه الفئة على ما أظن، كان الضحك فوّاراً، حين الكأس، في كل جرعة منها في حلق لينا، يفور أسى وبكاء على إثنتي عشرة سنة من زواج انتهى بالصراخ والعتاب والكراهيات. فالخيبة حين تحتد نبراتها لا بد أن تصل إلى بعض الحضور مكيّفةً بالطرافة الساخرة، وإلى الكلّ بمذاقتها المتبّلة بالأحاديث الترفيهية، السطحيّة.
الحوارات تقليدية من أحاديث الناس، لم تتورّط في معان فلسفية وجودية ولا هي أربكت المشاهد بحسابات مصيرية. بعياقة ولباقة أعدّ كارلوس شاهين إخراجها، مع أربعة ممثلين، دخل كل منهم طبيعة الشخصية التي على مدى استمرارية المسرحية في "مسرح مونو"، سيتقمّصها، بفضائلها وعاهاتها، بسكينتها وجنونها. بدت المساكنة على الخشبة، دونما تكلّف ولا ادعاء، كأنما في هذا النوع من الكوميديا تزول الحدود بين الشخصية المسرحية والمشاهد، الواحد يغدو نسخة عن الآخر.
الكتيّب الموزّع على الباب عرّفنا على كل من الممثلين قبل أن يتحوّلوا بسحر المسرح إلى نماذج من الحياة الزوجية. سيرينا شامي في دور لينا زوجة طوم؛ ألان سعاده في دور طوم زوج لينا؛ سحر عسّاف في دور كارن زوجة غابي، وجوزف زيتوني زوج كارن.
هل للمخرج كارلوس شاهين في هذا العمل من أسباب شخصيّة؟ السؤال قد يضحكه، ومن غير أن ننتظر منه جواباً، هذا ما يشرحه عن مسرحية مارغوليس: "تأثّرت بمدى إنسانيته وبالطريقة التي تتعامل بها شخصياته مع الخسارة. هي تحاول أن تعيش حياتها بأفضل ما استطاعت. كان لي الشرف أن أعمل مع فريق مميّز بمنتهى الاهتمام توغّلنا في هذا النص واستكشفنا دواخلنا وموضوعنا المحوري: الرغبة".
"كيف كان العشا؟" مع تقشير البصل وقلي الخضر وعصر الحامض وتحضير الكؤوس لرفع الأنخاب، التقت مذاقات حلوة مالحة في جلسة أليفة من فاكهة الصداقة مع لينا، في بيت كارن وغابي. الحديث دار حول المأكولات الطيّبة التي تعرّف إليها الزوجان في رحلتهما إلى إيطاليا. ومن مقاديرها وليمة الليلة. فلعل الهدية التي حملتها كارن إلى صديقتها كانت على براءتها، الوقدة التي أشعلت بركان المرأة. ما كادت ترفع الفوطة المطرّزة من العلبة حتى انهمرت دموعها. أمام الإحراج الذي تسببّ به بكاؤها للصديقين، اعترفت بأن طوم واقع في غرام امرأة ومستعد للطلاق منها. أفواه كانت مغلقة إلى أن حان الوقت للبوح. في هذا المشهد الأول، برزت إمكانات كل من الممثلين الثلاثة في أدوارهم. سيرينا شامي إنفعالية، تمثل بجسدها كما بصوتها الصادح، فتعطي الدور قيمته، في تمثيلها الزوجة المغدورة. سمر عسّاف أستاذة المسرح في الجامعة الأميركية، أعطت دور كارن هالة الزوجة الساكنة، الهادئة، لا يكاد زوجها يداعبها حتى تشتعل رغبتها. جوزف زينون لبس دور الزوج الوفي لقيم العائلة.
"كيف كان العشا؟"، يمر أمام تسارع المشاهد وتعدّدها، كفيلم سينمائي. المشهد الثاني، مواجهة عنيفة بين لينا وزوجها. الأزمة بدت قديمة بينهما. المشهد الثالث، لينا تروي لصديقتها انها على علاقة حب رائعة مع دافيد صديق طوم، وتعيش الآن أجمل ساعات حياتها. المشهد الرابع، طوم وغابي حول كأس في بار. طوم يضع صديقه في حميم علاقة قديمة العهد بين لينا ودافيد، واليوم يشعر بسعادة كبرى بعدما عثر على المرأة الطيّبة، الحنونة. المشهد الخامس "فلاش باك" إلى سنين مضت، حيث تتعرّف لينا إلى طوم بواسطة كارن وغابي. تقع في غرامه ويتزوّجان. الصديقان رقيبان، يحاولان هزة ضمير لصديقيهما، لكن من غير جدوى. كارن وغابي، ثابتان في اقتناعاتهما، وولائهما، ما دامت الرغبة بينهما مشتعلة دوماً، بها يهمدان أي خطر يدهم عشّهما.


[email protected]
Twitter: @may.menassa

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم