الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

نفحة أمل من جبال الألب

اوكتافيا نصر
A+ A-

بين جبال الألب وبحيرة ليمان تقع قلعة قديمة باتت مركزاً للمؤتمرات في قرية كو بجنوب غرب سويسرا. وفي كل صيف، يستقبل هذا المركز عدداً كبيراً منا بحفاوة بالغة، فنشعر كأننا في منزلنا.


في كل سنة، يلتقي أشخاص من مختلف أنحاء العالم في هذا المكان لمناقشة السبل التي تتيح لهم فهم بعضهم بعضاً على نحو أفضل، والتواصل بفاعلية أكبر، والتعاون بصورة وثيقة من أجل بناء مستقبل أفضل للجميع.
الأجواء الهادئة التي تحافظ على رونقها الأصلي مثالية للحوار. فالخدمة المجرّدة من كل أنانية فضلاً عن غياب المراتب والألقاب وقواعد اللباس تؤمّن أجواء مؤاتية تماماً لفهم الآخر والتفاعل معه.
في هذا المكان، تنضح الطبيعة سلاماً، ويبرز الجمال في البساطة، وتُقاس الإنجازات بالجروح التي تحملها في حياتك، وليس بأصلك أو المدرسة التي ارتدتها أو الشركة التي تعمل لديها. لبضعة أيام صيف كل سنة، تُفتَح الأبواب والقلوب أملاً في ألا تنغلق من جديد.
هنا في قرية كو، يُحكَم عليك انطلاقاً من مساهمتك بصدق وشجاعة في حلقات العمل التي تتمحور على مواضيع التعدّدية الثقافية، والتواصل بين الأجيال، والتسامح، وتقبّل الآخر، وسواها من المسائل التي تضاهيها قيمة. هنا يُقدّرك الآخرون لأنك تقدّم القهوة أو الماء، أو تتولى تقطيع البصل أو الطهو أو غسل الأطباق، قبل أو بعد إلقاء كلمة أو إدارة حلقة عمل حول التعافي من جروح الماضي، أو عرض فيلمك الحائز جوائز عدّة.
هذا المكان ليس متاحاً للجميع، وخصوصاً المتردّدين ضعاف القلوب.
قد يستاء بعض العرب من المقاربة المعتمدة أو من عدم حصولهم على فرصة لالتقاط الصور من أجل مشاطرتها مع أصدقائهم وعائلتهم. في مركز المؤتمرات في كو، ليس لأحد أن يتبجّح بأنه الأطول أو الأضخم أو الأسرع أو الأغنى أو الأكثر بريقاً. فتأثير الأشخاص يقاس بالاختلاف الذي يحدثونه أو بالتضحية التي يقدّمونها، ويُنظَر باحترام إلى من يعطي أكثر من ثروته ووقته لمساعدة الآخرين. التعاطف هو البلسم الذي يخفّف معاناة الأقل حظوة، والميدالية التي تُمنَح للأكثر تواضعاً. ما يجري التركيز عليه في كو ليس كيف نحصل على المزيد إنما كيف نعطي أكثر، وليس كيف نقتل مزيداً من الأشخاص بل كيف ننقذ مزيداً من الأرواح.
سوف تُسرّون لمعرفة كون العرب ممثّلين جيداً في المؤتمر الذي يحمل عنوان "تعلُّم العيش في عالم متعدّد الثقافة". تجدون بين الآسيوين والأوستراليين والأفارقة والأميركيين والأوروبيين، مفكّرين طليعيين واعدين، وطلاباً ومهنيين موجّهين نحو الحلول من مصر وفلسطين ولبنان. جاؤوا إلى هنا للتخلّص من الأحكام المسبقة التي نشأوا عليها. إنهم يسلكون مساراً لم يألفه زعماؤهم، إنما يتطلّع إليه عدد كبير من أقرانهم وأبناء وطنهم.
إزاء هذه الخلفية، وفيما شهدنا على اليوم الوطني السويسري، تجرأنا معاً على أن نحلم بأن يعيش وطني الأم لبنان وسواه من البلدان العربية، مثل هذا الاحتفال البسيط إنما الرمزي: فقد تجوّلت فرقة موسيقية تتألف بكاملها من رجال متقدّمين في السن وأيقظت الناس عند الفجر على وقع الألحان الوطنية التقليدية احتفالاً بالعيد الوطني. وفي وقت لاحق، استمتع الجميع بتذوّق "فوندو" تقليدية، وليلاً تجمّع الناس حول النار والموسيقى احتفاءً بالسلام والوطن والاستقلال!


twitter: @octavianasr

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم