الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

مكيافيلي في ذهن المشرّع... ملاحظات حول تعديل النظام الضرائبي ومنظومة الفساد

المصدر: "النهار"
رامي عون- محامٍ
مكيافيلي في ذهن المشرّع... ملاحظات حول تعديل النظام الضرائبي ومنظومة الفساد
مكيافيلي في ذهن المشرّع... ملاحظات حول تعديل النظام الضرائبي ومنظومة الفساد
A+ A-

يُنسب الى مكيافيلي قوله الشهير بأنّ "الغاية تبرّر الوسيلة" حيث شرحه في الفصل 18 من كتابه "الأمير" من دون أن يستعمل هذه العبارة بدقّة.
ويعتبر بعض المحلّلين أن هذا الكتاب ليس سياسياً بطبيعته بل من قبيل "السخرية السوداء" على حكم عائلتي بورجيا والمديتشي آنذاك. غير أنّ هذا المبدأ ترسّخ في ذهن المشرّع اللبناني وانكبّ على العمل بجهد قلّ نظيره للبحث عن الوسيلة من أجل تمويل سلسلة الرتب والرواتب متناسياً الغاية الأساسية من السلسلة، أي تحقيق العدالة الاجتماعية. فما يبحث عن إعطائه من جهة يعود لأخذه من جهة أخرى، لا بل يأخذ أكثر بكثير مما يعطي. والحديث هنا عن الغاية بدوره وسيلة لغايات منها ظاهر ومعلوم، ومنها ما لا يزال خفياً.
الغاية المعلنة هي من أجل "تعديل واستحداث بعض المواد القانونية الضريبية بهدف تمويل رفع الحد الأدنى للرواتب والأجور وإعطاء زيادات غلاء معيشة للموظفين والمتقاعدين والأجراء في الإدارات العامة وفي الجامعة اللبنانية والبلديات والمؤسسات العامة غير الخاضعة لقانون العمل وتحويل رواتب الملاك الإداري العام وأفراد الهيئة التعليمية في وزارة التربية والتعليم العالي والأسلاك العسكرية"، كما جاء في عنوان نص مشروع القانون الوارد بالمرسوم رقم 10415 بعدما عدّلته اللجان النيابية المشتركة. أما الغاية أو الغايات غير المعلنة فلا يمكن التكهّن بها ويترك أمر تقديرها للمحلّلين السياسيين.



(الصورة خلال التظاهرة الاخيرة المناهضة للضرائب في بيروت. المصدر: AFP)


ملاحظات عدّة
وهنا لا بد من توجيه ملاحظات عدّة حول المشروع وما تضمّنه، بعيداً من جوّ الشائعات والتراشق الكلامي وتسجيل المواقف التي لا تصب سوى في خانة المعركة الانتخابية القادمة.



الملاحظة الأولى تتمحور حول السؤال التالي: لماذا تعديل النظام الضرائبي برمّته؟
يتبيّن من مراجعة مشروع القانون (21 صفحة) أنّه تناول أربع ضرائب أساسية هي تلك المفروضة على القيمة المضافة والدخل، والفائدة على الإيداعات المصرفية ومعظم العمليات الإدارية، كما قام بتعديل (من طريق زيادة) خمسة رسوم مرتبطة مباشرة بالاستهلاك ناهيك بثلاثة رسوم جديدة.
ويتضمن مشروع القانون أيضا قانون طال انتظاره بشأن تسوية الممتلكات البحرية المحتلة بشكل غير قانوني... وكيف يتصل الأمر بالضرائب؟؟ ينبغي تناول هذا القسم في قانون منفصل يضع إطاراً قانونياً واضحاً يمكن بموجبه إضفاء الصبغة القانونية على الاستخدام وفقاً لمعايير محددة أو أن الحظر سيطبق بحزم.



(الصورة خلال التظاهرة الاخيرة المناهضة للضرائب في بيروت. المصدر: AFP)

يمكن للمرء أن يجادل بأنه إذا فشل مشروع القانون، هل سيؤدي أيضاً إلى فشل تمرير هذا القانون؟ وبعبارة أخرى، فإن انتهاك الشاطئ اللبناني سيظل مسموحاً به ولن يسمح للبنان باسترداد الضرائب من هذا الاستخدام، إلا إذا مررنا بالقوانين الأخرى؟ ما هو المنطق وراء ذلك؟ فقط المشرع يمكنه تقديم الإجابات...أيضاً، من الأسئلة التي لا جواب عنها هي كيف يمكن للمجلس أن يناقش مشروعاً كهذا في حين أنّ الحكومة تعدّ مشروع موازنة يتضمّن تعديلات ضرائبية ضمن رؤية اقتصادية واضحة؟
المؤسف تجاهل كلّ من المشترع من جهة والإدارة التي وضعت المشروع من جهة أخرى للأحكام الصريحة الواردة في قانون المحاسبة العمومية (مرسوم رقم 14969 - صادر في 30/12/1963) الذي ينظّم آلية تحديد نفقات الدولة وتنظيم الجباية.
بالفعل، تنص المادة 5 من المرسوم المذكور أنّ "قانون الموازنة هو النص المتضمن إقرار السلطة التشريعية لمشروع الموازنة. يحتوي هذا القانون على أحكام أساسية تقضي بتقدير النفقات والواردات، وإجازة الجباية، وفتح الاعتمادات اللازمة للإنفاق، وعلى أحكام خاصة تقتصر على ما له علاقة مباشرة بتنفيذ الموازنة"، أي إنّه لا يمكن للإدارة تنظيم الواردات ما لم يُصَر الى تقدير النفقات بشموليّتها (أي كل نفقات الدولة عن السنة القادمة وليس جزءاً منها يخرج عن النفقات المسموح بها على أساس القاعدة الاثني عشرية.)...



كما أنّ المادة 20 المعدّلة وفقاً للقانون 55/66 تاريخ 3/9/1966 تنصّ صراحة أنّه تقسم موازنة النفقات إلى جزءين:



- الجزء الأول: يحتوي على النفقات العادية.
- الجزء الثاني: يحتوي على نفقات التجهيز والإنشاء ومساهمات الدولة الإنمائية... "إنّ باب الرواتب والأجور يدخل من ضمن النفقات العادية التي يجب أن تحتسب من ضمن الموازنة ولا يتوجّب فتح اعتمادات استثنائية لتغطيتها، إذ إن هذه الاعتمادات وفقاً لأحكام المادة 11 من قانون المحاسبة العمومية هي لـ "... مواجهة نفقة لم يخصص لها أصلاً أي اعتماد في الموازنة"، مما يعني أنّه يجب بادئ ذي بدء أن تكون النفقة غير الملحوظة متحقّقة (وهو الأمر غير الحاصل) وألا يكون احتياطي الموازنة كافياً لتغطيتها (وهو الأمر غير المحقّق به بسبب تغييب الموازنة وقطع حسابات السنوات السابقة) ليُصار عندئذ الى القيام باجراء استثنائي (على سبيل المثال زيادات مفاجئة في أسعار المواد الأولية أو كوارث على حجم عدد اللاجئين السوريين). إنّ الحديث عن السلسلة قائم منذ خمس سنوات تقريباً ولا يتسم أبداً بمبدأ الاستثنائية.



هذه المخالفة المباشرة للنصوص هدفها تنظيم عمل القطاع العام والتي لا تراعي أبسط قواعد المحاسبة والشفافية في التعاطي مع الشأن العام لا تتوقّف عند هذا الحد، بل يجب أيضاً قراءتها مع الرسم الذي فرض بموجب القانون رقم 21 المنشور في العدد 8 من الجريدة الرسمية تاريخ 16 شباط 2017 والذي يفرض رسماً مقطوعاً على المركز الرئيسي للشركات والأفراد كلّ هذا من خارج الموازنة ومن خارج ضوابط مراقبة الإنفاق ذلك أنّه ومن دون موازنة لا يمكن لأي جهة إجراء مراقبة فعليّة على تخصيص الواردات المرتقبة من أجل تغطية النفقات المعلومة. فما الذي يمنع أن تخصص تلك الإيرادات الى تمويل المخصصات والتعويضات المنصوص عنها في القانون 25/74 المعدّل بموجب القانون رقم 7/2017 الذي أقرّ بصفة المعجّل المكرّر بسرعة قياسية؟



(الصورة خلال التظاهرة الاخيرة المناهضة للضرائب في بيروت. المصدر: AFP) 


 


اقتصاد موازٍ


الملاحظة الثانية تتمحوَر حول تداخل التعديلات المقترحة مع منظومة الفساد وتقصير الإدارات عن القيام بواجباتها.


الفساد في لبنان واقع وحقيقة يستفيد منه بصورة مباشرة موظّفو القطاع العام من طريق الرُّشى والإكراميات (للقيام بعملهم). يتحمّل المواطن (المستهلك والتاجر وصاحب رأس المال) هذا العبء المباشر ويعلم الجميع انّ منظومة الفساد تلك تعمل بمعرفة الطبقة الساسية وغطائها ومباركتها والتي فرضت واقعها أثناء فترة الاحتلال السوري للبنان ولا تزال قابضة على مقاليد الحكم حتى تاريخه غير آبهة بأحكام القوانين. ولا يحق لأحد إنكار هذا الواقع ولا سيّما أنّ لبنان مصنّف عالمياً من أكثر الدول فساداً وأقلها مكافحة له.
وتشكّل منظومة الفساد تلك اقتصاداً موازياً لدرجة أنّها حملت بعضاً من الشركات العاملة في القطاع الخاص والتي تدفع ما يتوجّب عليها من ضرائب ورسوم لابتكار آليات محاسبية متطوّرة من أجل احتسابها ضمن النفقات المصرّح عنها.
ويكفي فقط للمنظومة السياسية القائمة دمج هذا الاقتصاد الموازي من طريق القيام بتعديلات جذريّة لتطوير مستوى خدماتها من أجل زيادة المداخيل. بالفعل، صرّح رئيس مجلس الوزراء أنّ نسبة جباية الضريبة في لبنان تبلغ 19% فقط، وهذا بحد ذاته إخبار للنيابة العامة المالية لتتحرّك من أجل التحقيق في مسألة إهدار الأموال العامة وإظهار من سمح وغطّى تقصيراً كهذا.
من ناحية أخرى، إنّ دوام عمل موظّفي القطاع العام في لبنان من الأدنى عالمياً (مع بعض الاستثناءات في القوى المسلّحة)، ولا يزال يعاني تخلّفاً في آلية العمل من جرّاء عدم مواكبته التطوّرات التكنولوجية.
ويقتضي الأمر أولاً معالجة هذه الحالة الشاذة والقيام بالإصلاحات الاساسية من أجل أن يرفع هذا القطاع إنتاجيته ويموّل ذاته. يتماشى هذا الاقتراح مع أحكام قانون المحاسبة العمومية التي تحضّ الادارة على عدم صرف أكثر مما تجبيه من جهة، ومن جهة أخرى تحسين الجباية بحيث تتمكّن الادارة من زيادة الصرف، فيكون المبدأ التوازن بين ميزان المصاريف والمداخيل ضمن سياسة واضحة ورؤية كاملة وشاملة.



 


وتتعلق الملاحظة الثالثة بطبيعة الضرائب:
بعد دراسة الضرائب عن كثب، نلاحظ أنها تستهدف مباشرة الأموال المودعة بصفة رئيسية من الخارج. في لبنان، من خلال فرض ضريبة على الفائدة التي تنطبق على أي ودائع، ألا يشجع المشرع أصحاب رؤوس الأموال (بما في ذلك اللبنانيين غير المقيمين الذين يساعدون الاقتصاد اللبناني) على أخذ رؤوس أموالهم من لبنان وإيداعهم في بلدان أخرى؟
عندما نزيد الضريبة على الأرباح بنسبة 2%، ألا يعكس ذلك السعر النهائي للمنتج أو الخدمة للمستهلك؟ ھل أن الاقتصاد نشيط وھل ھناك ربحية زائدة في السوق لتبرير ھذه الزیادة؟ كما سمعنا الكثير عن حقيقة أن المضاربة العقارية سوف تخضع للضريبة، إلا أن الضرائب الوحيدة التي رأيناها هي تلك المفروضة على مشتري العقارات وليس على عنصر المضاربة منها.



وقد بررت وزارة المالية ارتفاع أسعار السجائر من السوق اللبناني من خلال أن البائعين قد حجبوا بيع المنتجات حتى تصبح الزيادة فعالة، وذهب أبعد من ذلك إلى القول إن الزيادة مبررة أيضا لمنع التهريب !... وهذا يدل على أن وزير المالية يحمي الاحتكار وأرباحها غير الطبيعية، بدلاً من فتح القطاع للمنافسة السليمة بما يتماشى مع اتفاقيات التجارة الدولية (ولا سيما معاهدة يوروميد ...).
يمكن للمرء أن يفهم فقط هذه الضرائب تتغير كردع أي نوع من الاستثمار الدائم في لبنان واقتصادها، ودعوة لإغلاق الأعمال القائمة ونقلهم إلى الخارج، ولا سيّما قبرص أخيراً، إنّ مشروع القانون جاء ناقصاً لا يتضمّن الأسباب الموجبة التي من شأنها أن تعطي التفسيرات اللازمة والشرح الوافي لا سيّما لجهة مخالفة الإدارة لقانون المحاسبة العمومية وتجاوزها لمشروع قانون الموازنة الذي أحيل أخيراً من الحكومة على مجلس النواب.



وختاماً يجوز القول بأنّ الوسيلة لا يمكنها أن تبرّر الغاية!

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم