الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

الربيع العربي صراع العصبيّات في الحضارة الواحدة

النائب الدكتور فريد الخازن
الربيع العربي صراع العصبيّات في الحضارة الواحدة
الربيع العربي صراع العصبيّات في الحضارة الواحدة
A+ A-

في عامه السابع، لم يعد الربيع العربي الحدث الاقليمي الابرز، وان كان لتداعياته الأثر الحاسم في مسار عدد من الدول والمجتمعات. الانتفاضات الشعبية التي اسقطت الانظمة الحاكمة كانت بالدرجة الاولى نتاجاً محليا. الشرارة أتت من مصدر غير محسوب، من تونس البعيدة جغرافياً وسياسياً عن قضايا العرب المركزية، تبعتها مصر في سياق غير مسبوق. وفي الحالتين ظل الجيش على الحياد لاسباب غير واضحة الى الآن. في تونس، أراد الشعب الحياة فاستجاب القدر، وتعاملت القوى السياسية النافذة مع الواقع الجديد وتحدياته بمرونة وحكمة واتزان. الاستثناء التونسي ظل ضمن حدود البلاد، فلم تصل "عدواه"الى دول الربيع العربي الاخرى. في مصر، وهي الحالة الاكثر تشابها مع تونس لجهة الانتفاضة التي اسقطت الحاكم والنظام في وقت قياسي، استعاد الجيش موقعه المؤثر في السلطة بعد إزاحة رئيسين على طرفي نقيض، حسني مبارك ومحمد مرسي.


في اليمن صراع محتدم قبل الانتفاضة الشعبية وبعدها: صراع على السلطة وآخر على النفوذ الاقليمي ادخل البلاد في حرب ارادتها السعودية "عاصفة حزم" لوضع حدّ للنفوذ الايراني. وفي ليبيا نزاع داخلي مدوّ أدى الى الانهيار الكامل، دولة ومجتمعاً ومؤسسات "جماهيرية". وفي البحرين نزاع على خط الصدع الأكثر تعقيداً في المنطقة بين دول الخليج العربي وايران. أما سوريا فحالة مغايرة منذ انطلاق الاعتراض السلمي الى ان تحولت البلاد ساحة حروب متعددة ومتداخلة بين المحلي والاقليمي والدولي.
ربيع عربي، لا جامع بين حالاته المتنوعة قبل هبوب رياح التغيير وبعدها. فلكل حالة خصوصية وطروحات لحلول تتداخل فيها الغايات المتضاربة للاطراف الاقليمية والدولية. دول أخرى لفحتها رياح التغيير ولم تسلم من تداعياتها، فاتخذت الاجراءات للتأقلم مع الاوضاع المستجدة ولتحصين الجبهة الداخلية بوسائل الترهيب والترغيب.
مقارنة لا بد منها بين الربيع العربي وحالات التغييرالاقرب زمنياً، ولا سيما منها تلك التي شهدتها دول أوروبا الشرقية والوسطى بعد انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفياتي، وان كان الفارق كبيراً بين الحالتين. غاب عن الربيع العربي عامل أساسي ساهم في استقرار حالات التغيير في أوروبا الشرقية: دور الاتحاد الاوروبي، أي النظام الاقليمي الذي أعطى حماية ودفعاً للتغيير في الاتجاه المنشود. في العالم العربي لم تكن ثمة قاطرة اقليمية لدعم التحول الديموقراطي وتثبيته ولا نموذج ديموقراطي يحتذى، فالمصلحة المشتركة لاركان النظام الاقليمي العربي قضت بابقاء الوضع الراهن على حاله. الا ان التحدي الابرز تمثل بفشل البدائل للانظمة القائمة. في أوروبا جاء التغيير باتجاه صون مسار التحول الديموقراطي والحريات، فأتت البدائل من الانظمة السلطوية واضحة ومتكاملة والفصل بين الدين والدولة لا لبس فيه، خلافاً للحالات العربية الملتبسة والمفككة.
القتل الجماعي والنزاعات المسلحة وضعت الناس أمام خيارات بالغة الصعوبة، فإما استقرار الامر الواقع وإمّا الفوضى باسم الدين ومحتكريه من تنظيمات تكفيرية لا ضوابط لعنفها ولا حدود لارهابها. صراع عصبيات أنتج مساواة في القتل لا في الحقوق. الحق في الحياة شيء والحق في الحرية شيء آخر، فانحاز الناس الى خيار البقاء احياء بدل الموت من أجل حرية لا ركائز ثابتة لها ولا حماية لها من السلطة، كيفما كانت هويتها ومراميها، المنظور منها والمكتوم.
المأساة متواصلة والصراع ليس بين حضارات أو ثقافات متباعدة بل ضمن الحضارة الواحدة والدين الواحد والثقافة التي يفترض ان تكون جامعة. ربيع أنهى حالة الاستثناء العربي في مسار التحول الديموقراطي في السنوات الاخيرة وكسر حاجز الخوف من السلطة، الا انه استولد غرائز وبشاعات لم تكن لتخطر على بال الحكام والمحكومين، معارضين كانوا أم موالين.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم