الخميس - 18 نيسان 2024

إعلان

"وصلنا الغرفة المدمّرة فتناول غليونه وصمت"...ماذا يقول صاحب الصورة الشهيرة لـ"النهار"؟

المصدر: "النهار"
اسكندر خشاشو
اسكندر خشاشو AlexKhachachou
"وصلنا الغرفة المدمّرة فتناول غليونه وصمت"...ماذا يقول صاحب الصورة الشهيرة لـ"النهار"؟
"وصلنا الغرفة المدمّرة فتناول غليونه وصمت"...ماذا يقول صاحب الصورة الشهيرة لـ"النهار"؟
A+ A-

حظيَت الأزمة السورية بالجزء الأكبر من الاهتمام العالمي على المستويات السياسية والعسكرية والاجتماعية والإنسانية والاعلامية. خلال 6 سنوات من الأزمة كانت سوريا في كل دار، من خلال ما جرى ويجري على أراضيها. صرف الكثير من الوقت والجهد الاعلامي لنقل ما يجري على أرض الشام، وتتابعت التحليلات، التدخلات، إلى محاولات لوقف هذا النزيف المستمر، إلا أن كل المحاولات باءت بالفشل حتى الساعة.


آلاف الصور المرسلة من أرض المعركة. دمار وقذائف ودبابات ودم وتشرّد ومعاناة، وبين الركام الذي نقلته هذه الصور، تلفتك صورة واحدة يمكن ان تصف واقع شعب بأكمله وتحاكي ازمة بأكملها.


صورة شعب ومأساة


صورة ابو عمر الحلبي او محمد محيي الدين أنيس (70 عاماً) وهو يجلس على سريره في منزله المهدم في حلب جراء الحرب، ويشعل غليونه ويستمع الى الموسيقى عبر فونوغرافه، تكفي أن تجعلك تبحر في أفكارك إلى أماكن او "تخطف" كما وصف حالة ابو عمر، المصور في وكالة الصحافة الفرنسية اللبناني جوزف عيد الذي وثق هذه اللحظة بعدسته.
ترى ماذا يسمع ابو عمر؟ وهل كانت الأغنية الأولى التي خرجت من الفونوغراف هي من القدود الحلبية "حالي حالي حال"؟ لتتحدث عن حالة أهالي حلب وأحوالهم في هذه الايام، أو "قلبي اتلوع يا وعدي" التي تختصر مأساة ومعاناة أهالي الشهباء، ولا شفاء منها لأنه حتى الحبيب "لي يشفيني" يمكن أن تكون نيران الحرب ابتلعته.
أو أنه ينظر بين ثقوب الرصاص في جدران المنزل كي لا يرى منظر الحديقة الحقيقي، فيبقى مع القدود والفونوغراف، ويذكر عندما "كان مع حبيبه في الجنينة والورد مخيم علينا"، أو تسمح له فوهة القذيفة في الحائط الآخر بالنظر أبعد الى "النبعة" عندما كانوا ستة، وربما لم يبق منهم اليوم غيره.
الموت والدمار
وربما "خطف" مع فونوغرافه والقدود نفسها ليتحسر أن عمره الذي لم يكن بـ"قد المياس" كما تقول الاغنية وبقي حياً وشهد على حالة الموت والدمار والموت هذه".



(المصور جوزف عيد)

توقف التأمل وتكمل القصة مع جوزف عيد الذي يخبرنا كيف وصل الى حي الشعار في مدينة قال فيها الاخطل الصغير في ثلاثينيات القرن الماضي: "شَهْباءُ، لَوْ كانَتِ الأَحْلامُ كَأْسَ طِلا‏‏‏ ...في راحَةِ الفَجْرِ كُنْتِ الزَّهْرَ والحبَبَا‏‏‏‏‏‏"، وكيف اخترقوا الدمار والعوائق ومشوا في طريق فتحته جرافة الى منزل لا يبلغه إلا قاصده، مشيراً الى انهم ذهبوا للسؤال عنه بعد تقرير أعده زميلهم في وكالة الصحافة الفرنسية عام 2011 كرم المصري عن ابو عمر هاوي جمع السيارات القديمة والفاخرة، ولاكتشاف ما الذي حل بسياراته القيمة بعد دخول الجيش السوري الى المنطقة".


سيارات أبو عمر


ويوضح عيد أن هدف التقرير كان سيارات ابو عمر التي يعاملها كأولاده، الاً ان المشهد داخل المنزل المدمر وإصرار هذا الشخص على السكن به في حالته الماسوية أخذ الموضوع الى مكان أخر، أبعد واكثر إنسانية، لنكتشف أن أنيس كان طالباً في اختصاص الطب في مدينة سرقسطة الإسبانية في السبعينات من القرن الماضي، ثم مترجم كتيبات لشركة فيات في مدينة تورينو الايطالية، ومالكاً لمصنع مستحضرات التجميل، وتحديداً احمر الشفاه "ميلا روبنسون" في حلب، وهاو للتحف والموسيقى القديمة".
يضيف: "تجولنا مع أبو عمر في منزله الذي يشبه القلعة القديمة، وقد نال قسطاً كبيراً من الدمار، ومع كل خطوة وكل كلمة كنا نسمع منه إصراراً على الحياة والبقاء، فيشدد على انه سيعيد بناء منزله وسيفتح مصنعه من جديد و"سيداوي سياراته الجريحة" وفق وصفه، مؤكداً انه لمس ارادة كبيرة جداً عند هذا الكهل، على الحياة والبناء من جديد".


 


[[video source=youtube id=p2Fr5AVnRr0]]


 


صورة تنتشر عالمياً


وعن لحظة التقاط صورة، يقول عيد: "عندما وصلنا الى غرفة النوم المدمرة كلياً تقريباً، وهو لا يزال ينام فيها، ذهب نحو سريره وجلس عليه قبل أن يرى زميلي الفونوغراف فيسأله عنه، ثم أداره فوراً رغم انقطاع الكهرباء لأنه يدور ميكانيكياً، وذهب لتناول غليونه المكسور أيضاً وصمت وكأنه غاب في حلم أو "خطف"، فكانت اللحظة المناسبة لالتقاط هذه الصورة المعبرة".
ويكشف عيد انه "شعر بهذه الصورة من كل قلبه" وأحبها كثيراً، إلا أنه لم يكن يتوقع أن تصل الى هذا الحد من الانتشار والعالمية، حيث تداولتها مختلف وسائل الاعلام العالمية، حتى عبرت الى اليابان، حيث تواصلت معه وسائل اعلام يابانية لسؤاله عنها".
ويعتبر عيد أنها "صورة تختصر الحرب بطريقة لطيفة، وتهز مشاعر الناس ولا تخدش مشاعرهم كصور القتل والدمار".
في الحصيلة، لا تختصر هذه الصورة فقط الحرب، إنما حب الحياة، والاصرار على الاستمرار مهما بلغت الصعاب، كما تعيد الصورة نفسها إلى الأذهان، صورة اللبنانيين وأهالي الجنوب العائدين الى منطقتهم سيراً على الاقدام فوق الجسور المدمرة، ونصب خيمهم بالقرب من منازلهم المهدمة فور انتهاء الحرب، وكأنه كتب على شعب في هذه المنطقة أن يحيا بين الأنقاض.


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم