الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

هل ينجح العهد في الخروج سليماً من "أزماته" المتراكمة والموروثة؟

ابراهيم بيرم
ابراهيم بيرم
هل ينجح العهد في الخروج سليماً من "أزماته" المتراكمة والموروثة؟
هل ينجح العهد في الخروج سليماً من "أزماته" المتراكمة والموروثة؟
A+ A-

ربما للمرة الاولى في لبنان يجرؤ رئيس وزراء على الوقوف وجهاً لوجه أمام جمهور عريض كان على درجة عالية من الاحتقان والاستفزاز ضد اجراءات سلطوية موعودة ولكنها ملتبسة المعالم، ويسعى الى مخاطبته مباشرة وتهدئة سورة غضبه واستيعاب اندفاعته.


هذا ما حدث عصر الأحد الماضي في ساحة رياض الصلح، اذ وقف الرئيس سعد الحريري تلك الوقفة وحاول التحدث بلهجة تنطوي على تعاطف مع مشاعر المحتشدين وعلى تحسس بأوجاعهم وآلامهم، لكنه لم ينجح في بلوغ مستوى التأثير المنشود في ذاك الحشد. فهو أراد ان يكون فعله وحضوره الاستثنائيين بمقاييس السياسة اللبنانية صدمة، فكان الرد فيضاً من قناني المياه انهالت من كل حدب، وجلبة وضوضاء. وهكذا يبدو جلياً ان محطة من محطات استعادة ثقة المواطنين بالحكومة الحالية تداعت ذات عشية أمام أعين الجميع.
ومع ذلك، لم يستسلم الرجل لموجة اليأس والقنوط، فاستكمل في اليومين التاليين خطابه التهدوي مضيفاً اليه وعوداً بضبط الاهدار والفساد، واستطراداً الشروع في عملية اصلاح للادارة وتحريرها من براثن الاهتراء والفلتان وتعيد اليها دورها المفترض. ومثله فعل وزير المال علي حسن خليل مبدياً باسم الرئيس نبيه بري حرصاً مطلقاً على الحيلولة دون فرض اية ضرائب او رسوم تطال لقمة عيش المحرومين، ومعهما ايضا سعى "تكتل التغيير والاصلاح" عبر أمين سره النائب ابرهيم كنعان الى التبرؤ من وزر اي اجراء يمس زاد الفقراء وسلّة عيشهم اليومية، فيما انبرى رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع ليطلق من معراب "خريطة طريق متكاملة" لاصلاح الادارة والحيلولة دون إغراق السياسيين لها بمزيد من جيوش العاملين عبر صيغ غريبة عجيبة تتحايل على قوانين التوظيف المرعية الاجراء، كانت آخرها صيغة "شراء الخدمات" بعدما انتهى مفعول التعامل والتعاقد والفاتورة والمياومة.
وعليه، كان جلياً أن اقطاب التركيبة السياسية جرّدوا في الساعات الماضية اوسع حملة مواجَهة دفاعية للرد على المعلومات التي سرت سريان النار في الهشيم عن الحجم المرتفع للضرائب والرسوم التي لم تعفِ سلعة او تستثني خدمة متاحة، وللتوضيح ان جوهر الامر غير ذلك، واستيعاب موجة الغضب الشعبية التي انطلقت عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتي التحق بها جمهور "حزب الله" محمّلا اياه مسؤولية الانكفاء عن المواجهة وسكوته عما يجري، وكشف ايضا عن بعض جوانبها الحراك المحتدم في ساحة رياض الصلح والذي اظهر بعض المشاركين فيه نيتهم المضي قدماً في المواجهة مع السلطة الى درجة سفك الدماء ووضع البلاد امام مشهد عنفي جديد.
ولم تقف مفاعيل الازمة الناجمة عن عدم تقبّل الناس لاجراءات السلطة عند هذه الحدود، اذ لجأ بعض اقطاب النخبة الحاكمة الى اسلوب اضافي جديد غايته حرف الانظار الى اتجاهات اخرى، وتجلى ذلك في تكثيف الكلام واللقاءات الحاملة لوعود بقرب استيلاد قانون انتخاب جديد، منطلقة من فرضية ان الامر حتمي وقريب بعد تأجيل قصير تحت بند "تأجيل تقني". واللافت في الموضوع ان "تيار المستقبل" هو من تولى قيادة حملة التبشير بهذا الامر.
كان بديهياً ومتوقعاً لدى المراقبين ان تظهر السلطة بهذا المظهر المرتبك والضعيف امام هذا الكم من الاستحقاقات، ويتساوى في ذلك كل مكونات هذه السلطة بما فيها "حزب الله" الذي جرّد حملة لكي يبرر في مضمونها الاجراءات التي اقدم عليها اخيرا من خلال ربطه بين اقرار السلسلة وبين الاجراءات التي لا بد منها لتأمين مصادر التمويل اللازمة لها. سمات الارباك والعجز والقصور التي توسلتها السلطة لمداراة واقع الحال الذي اضطرت الى ان تواجهه اخيرا، امر ليس مستجداً بل هو مزمن تضرب جذوره عميقاً الى سنوات عدة خلت، وتحديداً منذ ان اضطر فريق 14 آذار يوم كان واحداً ومتماسكاً الى ان يغادر السلطة والحكم تاركاً الحمل كله على عاتق حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، محمّلا اياها كل أوزار السياسات الجديدة والقديمة على السواء، ومضيفًا الى تلك العوامل السلبية عاملاً آخر هو عامل المشاكسة والمناكفة والانتقاد المر. كانت تلك خطة الرد على اسقاط فريق 8 آذار لحكومة الرئيس سعد الحريري السابقة والتي كانت سابقة في تاريخ الحكومات في لبنان. وجوهر هذه الخطة إحكام الحصار والطوق على حكومة ميقاتي وتغذية مقولة انها حكومة "حزب الله" حصرياً، وذلك توطئة للحظة الاجهاز عليها واسقاطها على نحو مدوٍ مع كل الفريق الذي اختار ان ينضوي تحت عباءتها وتجريم كل فترة حكمها.
وفي عهد حكومة الرئيس تمام سلام، توقفت هجمة الفريق اياه بعدما اختار التشارك مع اخصامه في حكومة جديدة، واستطراداً في تجربة سياسية بمواصفات مختلفة عما سبق. ولكن ما جرى هو ان الكل تعامل مع هذه الحكومة على اساس انها موقتة، بل على اساس انها جسر عبور الى مرحلة اخرى في ظهر الغيب كانت حتى ذلك الحين مجهولة الهوية، مكتومة المواصفات، مما اضطرها الى السير على هدي نهج التأجيل والمماطلة والتسويف لكل الملفات الكبرى وذات الطبيعة الخلافية، واكتفت بتصريف الاعمال بالحد الادنى وادارة المرحلة بالممكن، وتعمد في المقابل الى ترحيل القضايا الكبرى عن ظهرها، ومبررها الاكبر آنذاك خلو سدة الرئاسة الاولى. فكانت النتيجة بطبيعة الحال العجز المضاعف وتراكم القضايا بلا حلول، وهو امر فاق زمنيا المتوقع والمألوف، اذ استغرق نحو ثلاث سنوات عجاف غرقت فيها الادارة والدولة عموما في حال من التسيب والفلتان وتفشت المحسوبيات واستشرت الصفقات الى درجة عجزت الحكومة معها عن ايجاد خطة لجمع النفايات.
وعندما اطل العهد الجديد بركنَيه كان مضطرا الى ان يواجه دفعة واحدة "جمل المحامل" ذا الحمل الثقيل، وان يقارب كل الملفات المرحّلة وفي مقدمها سلسلة الرتب والرواتب "وديعة" حكومة ميقاتي وقنبلتها الموقوتة وفق رأي البعض.
باختصار، العهد الحالي امام تحدٍ كبير، وهو مرغم ان يخوض غمار مواجهة كبرى لا يستطيع معها اللجوء الى لعبة التأجيل، فكلها مستحقات ليس بمقدوره التهرب منها، فيما الإقدام عليها ينطوي على مغامرة غير محسوبة العواقب لان الامكانات متواضعة. وفي كل الاحوال كان على هذا العهد الطامح الى دور استثنائي ان يخسر قسماً لا يستهان به من رصيده في الاشهر الخمسة الاولى من عمره، وان يغرق في بحر التخبط. والمتوقع ان الامر طويل، خصوصاً اذا ما بقي المعاندون على عنادهم بمنع ولادة قانون انتخاب جديد عصري ينطوي على وعود وآمال بالتغيير والتطوير.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم