الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

شهاب أنشأ هيئات رقابية لمنع الفساد ولا سبيل إلى مكافحته إلا بمحكمة خاصة

اميل خوري
A+ A-

عندما أطلق الرئيس فؤاد شهاب في مستهل عهده ورشة الاصلاح الاداري لجأ الى المؤسسات فأنشأ هيئات رقابية لمنع حصول فساد في أي عملية والا اضطر عند انتشاره الى البحث عن وسائل مكافحته وهي مكافحة قد تكون صعبة عندما تسود أزمة الأخلاق. وحضّ شهاب هذه الهيئات بأن عيّن على رأسها قيادات معروفة بالنزاهة والاستقامة والمناعة ضد أي تدخل سياسي معها. فكانت القرارات التي تصدر عنها تلتزم الحكومات تنفيذها والتقارير السنوية التي تضعها يؤخذ بتوصياتها ولا تهمل أو تحفظ في الادراج كما يجري اليوم. ولم تكن تتم تعيينات في ملاكات الدولة الا بعد مباراة يجريها مجلس الخدمة المدنية ولم يكن يحصل ما هو حاصل اليوم اذ أصبح عدد الموظفين بالتعاقد أو عدد المياومين يفوق كثيراً عدد الموظفين في الملاكات إرضاءً للمحاسيب والأزلام.


لذلك فإن عهد الرئيس ميشال عون اذا كان مصمماً فعلاً على مكافحة الفساد الذي أصبح أقوى من القوانين نفسها فعليه الا يكتفي بانشاء وزارة خاصة لمكافحته بل بتشكيل محكمة خاصة تنظر في ملفات الفساد وتسرع في بتها كي لا يظل الكلام الكثير على الفساد كلاماً ولا يحاسب فاسد واحد وادخاله الى السجن ليكون عبرة لسواه. ولا ضير عندئذ من تأجيل بت سلسلة الرتب والرواتب كي يصير تمويلها من أموال السارقين وليس بفرض رسوم وضرائب جديدة على المسروقين. فمليارات الدولارات المسروقة كافية لتأمين نفقات هذه السلسلة وغيرها من المصاريف من دون حاجة للجوء الى تحميل الشعب أعباء لا قدرة له على تحملها لا لشيء سوى أنها الوسيلة الأسهل.
لكن السؤال المطروح هو: هل لمكافحة الفساد التي أعلن الرئيس عون والحكومة العزم على مكافحته لها مفعول رجعي أم أنها تبدأ من الآن فصاعداً وعفا الله عمن سرقوا ونهبوا لأنه بات من الصعب ملاحقتهم ومحاكمتهم وهم إما نافذون أو محميون من نافذين؟...
لقد جربت كل العهود اللجوء الى القوانين لمنع الفساد ومحاكمة الفاسد الا انه استطاع الصمود في وجهها بدءاً بقانون الاثراء غير المشروع الذي لم يطبق ومن أثروا أصبحوا أقوى من أي قانون ولد مع تقديم المسؤولين تصاريح بأموالهم المنقولة وغير المنقولة عندما يتسلمون مهماتهم. فكان تقديمها مهزلة لأن أحداً لا يعرف حجم هذه الأموال عندما يتسلمون مهماتهم ولا كيف صار حجمها بعد انتهاء مهماتهم كي يعرف الجواب عن سؤال من أين لكم هذا، وليس إذاً سوى انشاء محكمة خاصة من كبار القضاة تنظر في ملفات الفساد التي يتقدم بها كل من لديه الشك الجدي. فهي الوسيلة الوحيدة الفاعلة التي تمنع الفساد ولا تضطر عند حصوله الى مكافحته وبلا جدوى وان لا معنى لانشاء وزارة لمكافحة الفساد لانها تبقى عنواناً بلا مضمون ما دام لا هيكلية لها كسائر الوزارات. اذا كان لا بد من ان يكون لها دور فليكن دور تلقّي الشكاوى والمعلومات والملفات والتدقيق فيها قبل إحالتها على المحكمة الخاصة التي تقرر رفع السرية المصرفية عن المتهم والا يظل الكلام على الفساد للاستهلاك السياسي والانتخابي فقط سواء على شاشات التلفزة او في وسائل الاعلام المكتوبة والمسموعة، وحتى على منبر مجلس النواب وهو كلام ينتهي مع رفع الجلسة... وعندما يقضى على الفساد فإن الخزينة لا تبقى في عجز دائم والدين العام الى ارتفاع، بل يكون لبنان التزم الاتفاق الدولي لمكافحة الفساد ووضع آلية لتنفيذه ولم يكتف بتوقيعه فقط، ويكون لبنان حقق ما تدعو اليه الجمعية اللبنانية لتعزيز الشفافية، ولا يظل المال العام سبيلاً لحل المشاكل السياسية والتقاسم الطائفي، ولا يظل أسوأ العادات في لبنان وهي الكثير من الخطط والقوانين والقليل من التنفيذ فتصبح الدولة دولة الفساد بل مافيا الفساد، والسرية المصرفية ملاذاً للفاسدين.
ان ثقة الناس بالدولة لا تُستعاد الا عندما يعرفون من أين لهذا أو ذاك كل هذه الثروات، وهو سؤال يظل بدون جواب منذ عقود لأن لا القضاء حاسب ولا مجلس النواب ولا القوانين ولا حتى الناخب وهو يضع ورقة في صندوق الاقتراع يوم الانتخاب وكل عهد تغاضى عن اختلاسات من سبقه فيتعزز الفساد أكثر ولا يعود للناس المظلومين والمسحوقين سوى أن يرددوا قول الشاعر: "ليش الفقير لولا سرق مرة، بالحبس لازم ينتهي عمرو. وأبن الغني لولا سرق درة، بتصير كل الناس بأمرو. وليش النسر بياكل العصفور والطير الزغير لو راح يتغدى حبة قمح بيقوصو الناطور. وليش القوي بالنار والبارود لو حق ياكل قد ما بدو بس الضعيف ولو قطف عنقود بيحكمو بقطع ايدو"...


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم