الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

"صمت" لمارتن سكورسيزي: هناك حيث لا ينبت الإيمان!

"صمت" لمارتن سكورسيزي: هناك حيث لا ينبت الإيمان!
"صمت" لمارتن سكورسيزي: هناك حيث لا ينبت الإيمان!
A+ A-

"صمت" هو، أكثر من سواه، الفيلم الذي لا يشبه أفلام مارتن سكورسيزي الأخرى من حيث السرد والأسلوب وبراعة اليد التي يحرّك بها المعلم عادةً الأشياء. كلّ شيء، من الممثلين إلى الديكورات الطبيعية الفظيعة، يضعه سكورسيزي في تصرّف نصّه وخطابه الباهرين. لا حركة كاميرا إضافية، لا خطوة ناقصة في مجال الاستئثار بالمُشاهد. لا ذرّة "سنتيمنتالية". سكورسيزي المخرج سلّم نفسه لسكورسيزي الحكّاء الرفيع.


ربما عرف سكورسيزي منذ البداية أنّ فيلماً كهذا، يتطلّب أن يتنحّى كلياً من منصبه، ليأتينا بخلاصة تجربته ومعرفته بأكثر الطرق حشمةً. يكاد مخرجنا يختفي خلف كلّ لقطة يؤطرها، ليقدّم إخراجاً شفّافاً، عميقاً، "صامتاً". الصمت هذا يكتسح كلّ شيء، ليتحوّل صرخة ليست بعدها صرخة، وصولاً إلى أنّه سيتجسّد أمامنا في 3 لحظات على الأقل... كدتُ أقول في ٣ حركات، لأن الفيلم أشبه بمعزوفة يستمّر صداها طويلاً في الرأس.
رياح الإيمان ستحمل الشخصيات إلى أقاصي القسوة. العناصر الطبيعية (ماء، نار، هواء، ضباب)، رفيقة القسوة والتعصب الذي سينخر كلّ شيء. هل يصمد أبطال هذا الإيمان أمام هذه القسوة كلّها حفاظاً على معتقدهم، أم أن الحياة أعزّ؟
"صمت" ليس فيلماً دينياً بالمفهوم الكلاسيكي. من خلال رواية البعثات المسيحية إلى اليابان والراهبَين البرتغاليين الإنجيليين اللذين سيذهبان إلى هناك للبحث عن راهب مفقود، أنجز سكورسيزي فيلماً عن الشكّ أكثر منه فيلماً عن الإيمان. في هذا، نجد بعضاً ممّا شغله منذ بداياته، أي التعذيب الجسدي من أجل الارتقاء وفق مفهومه الكاثوليكي. ولكن هذا أيضاً يناقشه كثيراً على لسان شخصية الراهب. الفرق، كلّ الفرق، أنّ بول شرايدر (الرأس المدبّر لكلّ ما يتعلّق بالنزعة الدينية عنده) ليس خلف سكورسيزي هذه المرة، لذلك لا يتم تعزيز هذا الجانب، فيبقى عنصراً كغيره من العناصر.
ليس الصراع الدائر هنا بين الظلمة والنور. إطلاقاً. فكرة الموت من أجل المسيح تصبح أيضاً مادة مشبعة بالتأمل، كموت الآخرين كرمى البعثة التي تأتي بفكرة الخلاص من خلف المحيطات: هل معتنقو المسيحية في اليابان يموتون من أجل فكرة أم من أجل شخص؟ الأسئلة المتعلقة بالسلطة هنا أبعد بكثير من الأجوبة المعطاة، والشكّ أعمق من اليقين. هل يدعو سكورسيزي، وهو تجاوز السبعين من العمر وخاض أكثر من تجربة إيمانية، إلى تجاوز الأديان للوصول إلى حقيقة جديدة؟ كقارئ لفيلمه، لا يهمّني ماذا يعتقد وما يقول خارج إطار العمل الذي يقترحه؛ الأهم هو الدخول في عقله الباطني من خلال ما يقوله مضمون فيلمه. يسأل سكورسيزي: أين تنتهي العقيدة وأين يبدأ الواجب الأخلاقي؟ وماذا على الإنسان أن يفعل إذا تضاربا؟ باختصار، "صمت" مرافعة مدهشة لمخرج كبير من وحي الزمن الراهن، نَبَش سكورسيزي حجّتها من عمق التاريخ (أصل أدبي لشوساكو اندو)، هناك حيث "لا أرض خصبة ينبت فيها الإيمان".

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم