الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

القوى اللبنانية انعتقت من "جاذبية" الحرب في سوريا وولجت مرحلة البحث عن تسويات معقولة بآمال متواضعة

ابراهيم بيرم
ابراهيم بيرم
A+ A-

مع دخول الحرب الضروس في الساحة السورية عامها السابع، صار في امكان كل من ألوان الطيف السياسي اللبناني ان يزعم، وبثقة زائدة بالنفس، انه نجح في تجاوز آثار تلك الحرب المتسعة الحلقات ودائرة المشاركين وما يمكن ان يتداعى عنها من نتائج وذيول بأقل قدر من الخسائر.


واستطرادا، نجحت غالبية مكونات المشهد السياسي في "التحرر" من موجبات رهانات عقدتها بينها وبين نفسها في استهلالية هاتيك الحرب على نتائجها المرتقبة، وخصوصا على ما يمكن ان تتمخض عنه من تحولات في موازين القوى والمعادلات السورية والاقليمية على السواء، وتالياً اسقاطها على الواقع اللبناني بغية تأسيس واقع آخر بمواصفات مختلفة تماما.
ولعل ابرز تمظهرات هذه القناعات التي رست بشق النفس وبعد طول أخذ ورد ونجاحات وخيبات أمل، أنها تجسّدت على ارض الواقع قبل نحو اربعة اشهر تسوية شاملة ومكتملة لا تقل من وجهة نظر بعض الخبراء والدارسين اهمية عن مفاعيل اتفاق بحجم تسوية الطائف، وهي التسوية التي بنيت على اساس العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية في مقابل سعد الحريري رئيساً للحكومة. وهي تسوية تنطوي ضمناً على تنازلات قدمها طرف كان طوال نحو عقد من الزمن قطب الرحى في معادلة الداخل، في مقابل ان يقبل الطرف الخصم بمساكنته على قاعدة فيها الكثير من مواصفات صيغة "اللاغالب واللامغلوب"، لكنه في العمق يتعامل معها، وإن بهدوء وروية، على اساس انها ربما تكون محطة عابرة ولا تمتلك مواصفات الثبات في انتظار مشهد اقليمي متغير لمصلحة المحور المنضوي بشكل او بآخر تحت لوائه انطلاقا من مآل الاوضاع في الساحة السورية التي رجحت فيها كفة الامور بما لا يقبل النقاش.
في بدايات اندلاع المواجهات على امتداد الجغرافيا السورية، وقعت كل القوى اللبنانية بلا استثناء تحت تأثير هذا "العصف" الآتي والحامل في ثناياه احتمالات ووعوداً بتطورات ونتائج كانت حينذاك في ظهر الغيب، فبدت وكأنها وقعت في حال "حيص بيص" وارباك، بل بدت وكأنها في حال ذهول، بعضها من وقع الفرح وبعضها الآخر بفعل الصدمة. ومع بروز وقائع ميدانية تدل على تراجع مريع للنظام وتقليص رقعة سيطرته في مقابل تمدد اعدائه بسرعة قياسية على نحو بسطوا فيه سيطرتهم، بحسب بعض التقديرات، على ما يفوق نصف الجغرافيا السورية مرفقة بسحب تام لأي غطاء عربي عن النظام ودعم غربي للمعارضات السورية، انقسمت القوى اللبنانية ثلاثة اقسام:
- الاول طوحت به الآمال الى حد الرهان على سقوط عاجل ومدوٍ للنظام السوري مشفوعا برهان على سقوط محور عسكري – سياسي له في الداخل اللبناني حضور وسطوة.
- الثاني ذهب في رحلة بحث وتقصٍ عميقة ومتأنية عن مآلات المستجدات الميدانية في الساحة السورية. وخلال العام الاول لهذه الحرب، ولج هذا الفريق مرحلة كمون وانتظار وترصّد، ثم ما لبث ان اتخذ قراره النهائي: الوقوف بكل قواه الى جانب النظام في سوريا وبذل اقصى ما في وسعه للحيلولة دون سقوطه انطلاقا من ان ذلك يعني خلخلة لتوازنات اقليمية تتصل بالصراع العربي – الاسرائيلي واستيلاد لتوازنات اخرى في غير مصلحته تماما.
- الثالث آثر سياسة الوقوف في المنطقة الرمادية منتظراً ما يوحي برجحان كفة ليبني على الشيء مقتضاه.
وبناء على كل هذه العناصر والقراءات المتعارضة، انبثق فجأة مشهد سياسي - امني داخلي ينطوي على كثير من الارتجاجات والمخاطر وحسّ المغامرة، اذ ما لبث ان اشتد ساعد القوى المناهضة للنظام السوري وحلفائه وبدأت تتصرف وكأن الامور آيلة حتماً لغير مصلحة هذا النظام، فانبرت لتأخذ ادواراً ومواقع في الداخل ترفد بها معارضي النظام بأشكال شتى، فنشأت منظومة بيئات حاضنة وبؤر في مناطق عدة، وتحديداً على طول الحدود اللبنانية – السورية، وانفتحت خطوط تماس في طرابلس وامتد حبل التوتر الى صيدا مع الظهور المفاجئ لظاهرة الشيخ احمد الاسير وانتشارها ونموها.
وفي لحظة بدا المسرح اللبناني وكأنه هُيّىء ليكون ميدانا رديفا للميدان السوري، لاسيما بعدما ولج "حزب الله" الميدان السوري من بوابة القصير وسهلها المتاخم للبقاع الشمالي في رحلة مواجهة مضنية ومتعبة امتدت اكثر من اربعة اعوام.
وسرعان ما تحول مسار الامور لاحقا بفعل تحولات ومستجدات ميدانية وسياسية عدة ابرزها:
- نجاح قوات النظام السوري في سد قسم من الحدود مع لبنان ولاسيما لجهة الحدود الشمالية. وترافق ذلك لاحقا مع نجاح مجموعات "حزب الله" في سد منافذ ومعابر في جرود السلسلة الشرقية.
- لاحقا، تبين لأطراف لبنانيين سقوط "وظيفة ودور" خالوا انهما أُسندا الى لبنان ليكون ساحة تتنفس منها المعارضة السورية وتستمد منها الدعم اللوجستي على وجه الخصوص، لاسيما بعدما بدأت الاجهزة العسكرية اللبنانية لجم اندفاعة المجموعات والرموز الارهابية في لبنان وشرعت في مواجهتها جديا وإنزال الضربات بها.
- ولاحقا ايضا، سرت قناعة بان ثمة نصائح غربية جديدة وصلت الى المعنيين في لبنان فحواها: "عليكم المحافظة على الاستقرار لكي يكون في مقدوركم ابقاء اكثر من مليون نازح سوري بين ظهرانيكم والحيلولة دون مغادرتهم الى اوروبا".
لكن التغيير الاكبر والتحول الابرز تمثّل في اعادة "تيار المستقبل" الى دست الحكم عبر حكومة الرئيس تمام سلام بعد استقالة حكومة سلفه الرئيس نجيب ميقاتي، اذ سرعان ما مارست معادلة جدية انتهت معها حرب طرابلس وخفتت حدة الاحتقان السياسي وانتهت ظاهرة احمد الاسير، وبدأ حوار"المستقبل – حزب الله". وبعد عامين نجح خيار العماد عون رئيساً وعاد الرئيس الحريري الى السلطة والى لبنان، ومعه عادت مرحلة "وئام سياسي"، او بمعنى آخر مرحلة تحجيم الطموحات وفتح الابواب امام التسويات التي يفترض ان تكون ذروتها تسوية تفضي الى قانون جديد للانتخابات.
إنها بمعنى أوضح مرحلة التطبّع والتكيّف مع مرحلة عنوانها القبول بواقع ان الرهان على انقلاب الصورة في سوريا قد ابتعد الى حد كبير، وبالتالي هي مرحلة انعتاق الجميع من "جاذبية" الحرب في سوريا والولوج في مرحلة البحث عن تسويات محلية تؤمن حداً من التوازن.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم