الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

فنجان قهوة

عقل العويط
عقل العويط
فنجان قهوة
فنجان قهوة
A+ A-

صباح الخير أيّها العالم.


أشعر أني أطير. بل أذوب. بل أمّحي. بل أموت. بل أُولد.
أنا أُولد حقّاً، أيّها العالم. وأُولد مراراً. الآن أيضاً.
إنها تمطر قليلاً. لا شيء يوحي بأن أهل الكوكب متوحّدون حول المفاهيم.
الحقيقة نسبية جداً. بل متناقضة.
ليس في مقدوري أن أحصي عدد الناس المكئتبين من جرّاء المطر.
ليس في مقدوري في المقابل أن أحصي عدد المنتشين للسبب نفسه.
أيكون المطر، يا ترى، هو السبب؟ أم أن الشمس المنكفئة تحت الغيوم هي التي يتسبب اندحارها بهذا الوجع المهول؟
أم أن السبب، يا ترى، هو النفس، هذه النفس البشرية، التي من فرط هشاشتها لا يعود في مستطاعها أن تتحمّل عبور غيمة، ولا حتى عبور غيمة واحدة أمام العين؟!
فيا لتعاسة الشرط البشري!
حيال هذه المسألة البسيطة، بل الجوهرية، مَن يستطيع تحديد السعادة؟ لا أحد تقريباً. وخصوصاً الحكماء والعلماء النفسانيين.
أجرؤ أن أقول بتواضع، إني سعيد تقريباً هذا الصباح بسبب الشتاء.
وأيضاً بسبب الرعود التي طوال الهزيع الأخير من الليل لم تكفّ عن إقلاقالأشجار التي تتفتح شهواتها في آخر هذا الفصل.
ليس صحيحاً أن تعب الوجود، أن المشاغل، أن السياسة، أن اليأس، أن الفساد، أن الفقر، أن الديون المتراكمة، تمنعني من الاحتفال باللحظة.
إنها السادسة من صباح هذا السبت. شيءٌ يشبه الغبش ، بل يشبه الضوء، بل يشبه الكسل، يدعوني إلى الابتسام.
أعترف بأن هذا الطقس يجعلني متصالحاً مع الوجود، وقريباً من حياتي الشعرية المبعثرة في الكون.
أعبّر بتواضعٍ هائل، عن تعاطفي مع جماعات المكتئبين والموجوعين لألف سبب وسبب.
لو كان في مقدوري أن أملك كنوز الأرض، المادية والمعنوية، لوزّعتُها عليهم فوراً.
أنا الكائن الذي يجدّد في هذه اللحظة بالذات، رهن ذاته للحرية، وللحبّ،
أُعطي مَن يرغب ومَن لا يرغب، كلَّ ما أملك من حبٍّ ومن حرية، وكلّ ما لا أملكأيضاً.
رغبتي جامحة في أن يغمر الأملُ العيش، وأن يمتلئ العالم بالرغبة، بالرغبة اللامتناهية للحياة.
فليجعلني هذا الصباح الماطر ضحكةً مراهِقةً ورعناء. أو فليجعلني وردةً تتفتح.
فنجانَ قهوة. أو أيَّ شيء من هذا القبيل.
فليجعلني محض فنجانٍ من القهوة، محضٍ فنجان من القهوة فحسب، على شفتَين تشهقان بشبق الرغبة.
[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم