السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

نلبس ثيابهم الوسخة ولا يبالون بنا

غسان صليبي
A+ A-

أكثر ما يغضبني في هذه الحركة السياسية للتوصل إلى قانون انتخاب جديد، ان هذه العملية مبنية في مجملها على اقتناع ثابت لدى السياسيين: ان اتجاهات الناس معروفة ! هذه القدرة على الحسابات الدقيقة للاصوات، بحسب القوانين المقترحة، تعني انهم يفترضون معرفة ماذا يريده الناس تماماً!


الأدهى من ذلك، انهم يتصرفون كأن مواقف الناس لن تتغير! لن تتغير على الرغم من سرقتهم للناس ونهبهم لهم وتفقيرهم إياهم، وعلى الرغم من زبالتهم وانتهاكهم الدستور وتهجيرهم الشباب واسترهانهم البلد لصالح القوى الخارجية!
كلا، هم لا يخيطون القانون على قياسهم، كما نستسهل القول، بل على قياسهم وقياسنا نحن! فنحن نلبس ثيابهم المستعملة والوسخة، التي رموها لنا على قارعة الطريق!
لا يبالي المتزعمون، كثيرا، كما اظن، بالحركات السياسية اللاطائفية والمعارضة، التي نمت في السنوات الاخيرة. يحسبون حسابها، لكن كما يحسب الاحصائيون نسبة الخطأ، في اختيارهم الذكي للعينات!
هم لا يراهنون فقط للتحكم بمصيرنا، على وباء "التمسحة" الذي اجتاح أجسادنا وقلوبنا. "التمسحة" ظاهرة نفسية اجتماعية، تلجأ إليها الأنا، لحماية نفسها من الضغوط المتزامنة للأنا العليا وللاوعي على حد سواء.
بتعبير أبسط، يضع الانسان على لحمه الحي، قشرة سميكة، كجلد التمساح، ليحمي نفسه من قساوة الخارج وعذابات الداخل!
هم يراهنون اكثر على الطوق الذي وضعوه على اعناقنا! يراهنون على فاعلية الادوات التي ابتكروها للسيطرة المباشرة، على مواقفنا وسلوكنا: السلاح، امتلاك الإعلام، الهيمنة على المؤسسات العامة والكثير من المدارس والجامعات بما فيها الرسمية منها، انشاء الجمعيات الطائفية والمذهبية، وتقديم الخدمات الصحية والتربوية والاجتماعية للرعايا، إما عبر سرقة أموال الموازنة العامة او من خلال استخدام المال المتدفق من الخارج، فضلا عن الاستبسال للحفاظ على النظام السياسي الطائفي وتأجيج الحساسيات المذهبية!
يا لبؤسنا! انهم يعرفوننا تماما، ونحن نقف كالعراة امام عيونهم الشامتة!
يا ليتنا نستطيع ان نمزق متعاونين، وبأظفار بعضنا بعضاً، جلد التمساح الذي يلف اجسادنا.
يا ليتنا نستمد من العري الذي نحن فيه، الوضوح والصدق والرغبة الجامحة، في إطاحة هذه الطبقة السياسية التي تفسد حياتنا منذ اجيال، والتي يهدد ورثتها بإفساد حياة اولادنا لأجيال قادمة.


باحث وخبير اجتماعي مستقل

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم