الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

التوافق والسلاسة سمة تجربة "الشراكة السياسية" الراهنة... والسؤال: إلى متى؟

ابراهيم بيرم
ابراهيم بيرم
A+ A-

ثمة من استوقفه التمرير السلس للتعيينات الامنية والعسكرية في الجلسة الاخيرة لمجلس الوزراء، وثمة ايضا من لفته هذا الهدوء الذي وسم المسار السياسي منذ تأليف الحكومة برئاسة الرئيس سعد الحريري. فالسجالات والتباينات هبطت الى المقام الادنى، وتقدمت الى الواجهة عملية بحث عن التقاطعات والتوافقات على تمرير القضايا والملفات المتراكمة منذ اعوام وفي مقدمها مسألة اقرار الموازنة العامة العالقة منذ نحو 12 عاماً، الى سلسلة الرتب والرواتب الفارضة نفسها منذ اقرارها مبدئيا في عهد حكومة الرئيس نجيب ميقاتي.


وفي العموم، انقضت نحو خمسة اشهر منذ اعادة الانوار الى قصر بعبدا، وتجربة "الشراكة السياسية" الجدية تؤتي ثمارها وتنطلق انطلاقة توشك ان تكون طبيعية وبأقل قدر ممكن من التباينات، وهو امر واقع بدد توقعات كثيرين عقدوا رهانات على لحظة تنفجر فيها الخلافات بين مكونات هذه "الشراكة"، خصوصا ان المكونات عينها خاضت مدى ما يقرب عقداً من السنين مواجهات اتسمت بالضراوة ولم تضع اوزارها الا بعد القبول بخيار العماد ميشال عون رئيساً، فضلاً عن التباين في ادارة الحكم والتعارضات في الرؤى السياسية حيال تطورات الداخل والاقليم على السواء.
وبناء عليه، ثمة ولا ريب تساؤلات عن مغزى هذه السلاسة وعن الابعاد غير المرئية التي تجعل القوى المتشاركة تضبط اعصابها وتزن تصريحاتها بميزان الذهب حرصاً منها على التكيف مع واقع الحال المستجد والتأقلم مع معادلة تجربة "الشراكة" التي فرضت نفسها على المشهد السياسي منذ 31 تشرين الاول الماضي.
الاجابة المباشرة والصريحة عن هذا التساؤل عند المعنيين، فحواها ان مكونات "الشراكة" الحالية لها مصلحة مشتركة في إدامة فترة الاستقرار السياسي كلّ انطلاقاً من حساباته، ولها ايضا فائدة في تأمين تقليعة قوية للعهد الرئاسي. وهذا امر يتقاطع عنده "التيار الوطني الحر" و"تيار المستقبل" وحركة "امل" و"حزب الله" وحزب "القوات اللبنانية"، فيما يبقى الحزب التقدمي الاشتراكي مقيماً على جملة هواجس ومخاوف تنتظر عروض التطمين والاطمئنان ولحظة التسويات من دون ان يتوقف رئيسه النائب وليد جنبلاط عن قرع جرس الانذار والتذكير على طريقته معتمداً أسلوب الرسائل الناعمة والخفيفة.
ومع ان هناك من لا يحبذ السير في ركاب هذا التحليل والتشخيص انطلاقاً من مسلّمة ان العقدة التي قد تفرط انتظام عقد هذا التوافق الخفي ستكون عند استحقاق اقرار قانون الانتخاب الموعود والذي ما زال يؤجّل ويرحّل لان للمسألة عندئذ حسابات كبرى. ومع ذلك ثمة من يؤكد ان لا بد للانتخابات من ان تجرى على اساس قانون جديد انطلاقاً من المبدأ اياه وفحواه ان الكل متضرر جدا من عرقلة المسار والمسيرة التي بدأت اخيرا برعاية الكل وشراكتهم.
وزير الدولة علي قانصو يعزو في اتصال مع "النهار" هذه السلاسة اللافتة في تسيير الامور وانجاز الملفات الى امر اساسي هو "ان التسوية التي أُبرمت وتبدّت ملامحها غداة انتخاب العماد عون رئيساً مازالت مطردة في تقدمها، وما برحنا نحصد ثمارها الايجابية في هذا الذي نتلمسه في جلسات مجلس الوزراء وآخرها جلسة التعيينات بالجملة".
ويقول: "لقد أُقرت التعيينات الامنية والعسكرية اخيرا، وإن كنا من جملة معترضين عليها لاسباب عدة، فيما الموازنة العامة في طريقها الى الاقرار وفق المعطيات، وسلسلة الرتب والرواتب هي ايضا ستأخذ طريقها نحو الاقرار". ويضيف: "ومع ذلك فعلينا اولا ان نكون على وعي وبيّنة مما نحن مقبلون عليه، اذ علينا ان نستفيد من الاستقرار والهدوء الحاصل منذ فترة لكي ننجز كل ما هو متراكم ومتأخر، خصوصا ان المنطقة كلها مازالت على صفيح ساخن ونجهل مآلات الامور ولا نعرف كيف يمكن ان تنقلب الاحوال، وعلينا ثانياً ان نسرع في اقرار قانون الانتخاب على اسس جديدة تؤمن افضل تمثيل وتشكل مدخلاً الى الاصلاح السياسي الذي ينشده الجميع. ودعوتنا الى ذلك لاننا نتلمس بطئا في هذا المجال ونشعر بوجود تراخ من الجميع، ونحن نجد ايضا فرصة نادرة قد لا تتكرر لاعتماد النسبية في اي قانون انتخاب جديد قد يبصر النور، لانه ما لم تعتمد النسبية الان فقد لا تعتمد اطلاقا لاحقا ونضيع بالتالي فرصة ذهبية لولوج الاصلاح السياسي".
ويختم: "بالطبع نحن مرتاحون الى هذه السلاسة وهذا الاقدام على تمرير الملفات، ونلح على ضرورة استكمالها من خلال التعجيل في اقرار قانون الانتخاب".
ويتفق عضو "اللقاء الديموقراطي" النائب غازي العريضي في دردشة مع "النهار" مع الوزير قانصو حول ضرورة الافادة الى اقصى الحدود من هذا الاستقرار والتوازن الحاصل على الساحة الداخلية، ويقول: "الواضح ان احدا لا يريد ان يفتعل مشكلة في البلد، ولكن علينا ان نعمل بكل جهد للافادة من نعمة الاستقرار التي هبطت علينا لاننا نخشى من تطورات ومفاجآت في الاقليم قد تترك انعكاساتها على الداخل وتؤثر سلبا على مسار الامور. ومع ذلك فان لنا رأينا ورؤيتنا وحتى تحفظاتنا عن هذا الذي يراه البعض سلاسة في ادارة الامور وتمرير الملفات لاننا في العمق نخشى تكرار نهج مضى ولم يكن محمودا. وبصرف النظر عن الاسماء التي تم تعيينها في الجلسة الاخيرة للحكومة، فنحن كحزب تقدمي اشتراكي ابدينا اعتراضنا وتحفظنا عن الشكل الذي تمت به، وشاركنا في ذلك وزيرا "حزب الله" ووزير الحزب السوري القومي الاجتماعي، وهذا ينبغي ان يكون بمثابة جرس انذار للتعيينات التي ستحصل مستقبلا، خصوصا انه لم يمر الزمن بعد على قصة التعيينات في "اوجيرو" وكيف ان اسم بعض المعنيين أتى فجأة من خارج جدول الاعمال وماذا تكشّف لاحقا وكان امرا سلبيا".
ويتابع: "لا نحن ولا سوانا في وارد العرقلة والتعطيل، ولكن لا نريد تكرار تجارب سابقة دفعنا ثمنها واوصلتنا الى حيطان مسدودة، اذ ان الناس شبعت وهي ليست مختبر تجارب. وبالطبع لا نريد اهدار فرصة التوافق الحاضرة حتى لا نفاجأ بتطورات خارجية، وهو ما يفرض علينا ان ندرس خطواتنا بدقة وعناية".
أياً يكن من امر، فالواضح ان ثمة تكيفاً من الجميع مع هذه المرونة في ادارة الامور، ولكن يبدو جليا ان هناك من بدأ يعدّ نفسه للاعتراض والافصاح عما يبدو حتى الان مكتوما لديه.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم