الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

لا حلّ إلا حلّ الدولتين

النائب الدكتور فريد الخازن
لا حلّ إلا حلّ الدولتين
لا حلّ إلا حلّ الدولتين
A+ A-

منذ صدور القرار 181 عن الجمعية العمومية للامم المتحدة في 1947 والداعي الى تقسيم فلسطين، وحلّ الدولتين مطروح. ولقد سبق للتقسيم (partition) أن طُرح، مخرجاً عملياً لتسوية النزاع في فلسطين بحسب توصيات لجنة التحقيق البريطانية (Peel Commission) في 1937. كما ان القرار 181 دعا الى اعطاء القدس "نظاماً خاصاً" في اشراف الامم المتحدة. التقسيم اعتمدته بريطانيا في الهند وادى الى نشوء باكستان في 1947، دولة مستقلة بأكثرية مسلمة.


موقف رئيس حكومة اسرائيل بنيامين نتنياهو الداعي الى اسقاط حل الدولتين في لقائه الاول مع الرئيس الاميركي دونالد ترامب تعود جذوره الى الحركة الصهيونية في زمن الانتداب البريطاني والذي ارتبط آنذاك بموقف زئيف جابوتنسكي، قائد الجناح المتشدد في الحركة الصهيونية والداعي الى "اسرائيل الكبرى"، يقابله الجناح البراغماتي بقيادة ديفيد بن غوريون، أول رئيس حكومة في اسرائيل. التوجهات السياسية الاسرائيلية منذ 1948 عكست التموضع بين هذين المحورين، الممثَلين خصوصاً بحزبَيْ العمال والليكود.
المعادلة واضحة: كلما شعرت اسرائيل بفائض القوة والنفوذ بدّلت شروطها وتوسعت في الاحتلال والاستيطان والتهويد. بعد حرب 1948 نادت اسرائيل بمقولة الحق في الوجود (right to exist)، وبعد حرب 1967 برزت معادلة "الارض مقابل السلام" على اساس قرار مجلس الامن 242 ولاحقا القرار 338 في 1973. وفي السنوات الاخيرة، أضافت اسرائيل شرطاً تعجيزياً يدعو الى الاعتراف بهوية الدولة اليهودية. ولطالما طالبت اسرائيل باعتراف عربي في اطار تسوية شاملة، وتم ذلك في "المبادرة العربية" التي أعلنتها القمة العربية في بيروت في 2002 بمبادرة سعودية.
يسعى نتنياهو الآن الى القضاء على تسوية حل الدولتين، في السياسة وعلى أرض الواقع، مع التوسع في بناء المستوطنات بحيث يستحيل قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة وعاصمتها القدس الشرقية. هذا يعني عملياً انهاء ركائز اتفاق أوسلو وقرارات مجلس الامن والتوافق الدولي على حل الدولتين بحسب "خريطة الطريق" الرباعية (Quartet)، ومعها موقف الرئيس الاميركي جورج دبليو بوش وقرار مجلس الامن 1397 في 2002، الداعي الى حل الدولتين، اضافة الى مؤتمر باريس الاخير الذي اعتبر المستوطنات غير شرعية ودعا الى حل على أساس حدود 1967.
محاولة نسف أسس حل الدولتين تأتي في سياق متوقع بالنسبة الى اسرائيل، مع تنامي نفوذ التيار السياسي الأكثر تطرفاً. فمنذ أواخر التسعينات بات الكلام الاسرائيلي عن استحالة وجود شريك فلسطيني مفاوض، تبعه قرار شارون بالانسحاب من غزة بعد اغتيال قادة "حماس". وجاء بناء الجدار الفاصل المخالف للقانون الدولي بهدف الاستيلاء على اراض فلسطينية في الضفة ولفرض الحدّ الجغرافي مع فلسطين 1967، اضافة الى حروب غزة ومحاصرتها والتضييق على السلطة الوطنية.
وما شجع نتنياهو على التمادي في كل الاتجاهات سقوط موازين القوى العسكرية بين العرب واسرائيل قبل "الربيع العربي" وبعده. واستطاعت تل ابيب ان توطدّ علاقاتها مع موسكو وأعادت ربط ما انقطع مع انقرة. وفي المقابل، الانقسامات الفلسطينية متفاقمة بين "حماس" والسلطة الوطنية وفي مواقع النفوذ داخل "فتح" والسلطة، على رغم محاولات المصالحة التي قامت بها مصر وبعض دول الخليج.
في المحصلة، لم يعد لاسرائيل أي رادع، وما الصدام الذي افتعله نتنياهو مع الرئيس الاميركي أوباما سوى دليل على ذلك. وبعد انتخاب دونالد ترامب، لم يبق لاسرائيل سوى همّ واحد: ايران، المتصالحة مع المجتمع الدولي بعد "اتفاق فيينا". المسألة هنا تتجاوز قدرات ايران النووية، اذ ما من أحد يستطيع ان يستعمل السلاح النووي ويتحمل تبعاته، لا ايران ولا اسرائيل ولا سواهما. لكن ما يقلق اسرائيل قدرات ايران العسكرية ونفوذها الاقليمي ولا سيما منه العلاقة مع حزب الله بعد المواجهات العسكرية الفاشلة في 2006. فإما اسرائيل متفوقة عسكريا في المنطقة وإما تكون في دائرة الخطر الداهم. انها المقاربة الاسرائيلية التقليدية، وخصوصاً في العلاقة مع واشنطن، منذ حرب 1967.
في حسابات نتنياهو، المعادلة الاقليمية ملائمة للاجهاز على حلّ الدولتين، خصوصاً ان أميركا ترامب قد تجاريه لاسباب مرتبطة بنفوذ اللوبي اليهودي والتسرّع المعهود في سياسة ترامب الخارجية ولاسباب اخرى، منها نفوذ صهر ترامب، رجل الاعمال اليهودي وأحد ابرز معاونيه. نتنياهو يضرب ضربته وظروف النجاح تبدو أفضل من قبل.
الواقع ان أي مسعى جدي لتسوية النزاع العربي - الاسرائيلي لا بد ان يأتي على قاعدة حل الدولتين. فالبديل عن حل الدولتين ليس طبعاً دولة واحدة بجدار فاصل، بل كيان اداري بلا دولة واصرار اسرائيل على الاعتراف بالهوية اليهودية للدولة من شعب سلاحه الاول الهوية لمقاومة الاحتلال من أجل دولة لم يبق لامكان قيامها سوى أرض تحتلها اسرائيل بإسم الهوية القومية والدينية.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم