الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

فيلم أميركي قصير: America and the Rest

بقلم الدكتور فريد الخازن ¶
فيلم أميركي قصير: America and the Rest
فيلم أميركي قصير: America and the Rest
A+ A-

من باب التسلية والاثارة، الرئيس الاميركي دونالد ترامب مالئ الدنيا وشاغل الناس. "هرج ومرج" في الاداء الرئاسي في الداخل ومع الخارج. أما من باب الجدّ فسياسة الادارة الاميركية الجديدة تعتمد مقاربة Trial and Error. يضرب الرئيس ضربته وقد يصيب أو يخطئ، ولكل حادث حديث. عرض الاسابيع الاولى من الولاية الرئاسية لا مثيل له في أميركا ولا في أي من الدول غير المارقة. حالة استثنائية قوامها التهور والمكابرة والتناحر والخفّة في التعاطي. هذا لا يُحسب له حساب مع عيدي أمين أو معمر القذافي، على سبيل المثال لا الحصر، الا ان الامر يختلف مع رئيس دولة اَرست ركائز النظام العالمي الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية.
ظروف انتخاب الرئيس ترامب غير مألوفة، إن لجهة خسارة منافسته على رغم تفوقها في عدد الاصوات بفارق نحو 11 مليون ناخب، أو بالنسبة الى الخطاب الانتخابي الشعبوي والتحريضي الذي لم يأت من فراغ، بل عَكَس واقع الاعتراض على السياسات التي اتبعها اسلافه من الحزبين الديموقراطي والجمهوري. دونالد ترامب لا ينتمي في خلفيته الثقافية والسياسية الى أي من الحزبين، أسلوباً ومضموناً. وفي طبعه وحركته الكثير من تموضعات حافة الهاوية، بمعزل عن عمق الهاوية ومدى تداعيات هذا الاداء، مقصوداً كان أم غير مقصود.
في حال النجاح، تتحول لعبة حافة الهاوية الى winner-take-all، مثلما هو نظام الاقتراع الاميركي داخل كل ولاية، وهو النظام الانتخابي الذي أوصل ترامب الى الحكم. أما في حال الفشل، فإن ترامب ليس لينكولن، باني وحدة أميركا في زمن الحرب الاهلية، ولا ايزنهاور، القائد العسكري الناجح والسياسي الحازم، ولا ريغان، صاحب الكاريزما والقرار الحاسم، ولا حتى جورج بوش الابن، النموذج الاقرب الى ترامب، بعد تعرّض الولايات المتحدة لاعتداءات ارهابية وقبل مغامرة العراق.
عالم ترامب لا يشبه العالم الذي شغل اهتمام رؤساء أميركا في مراحل سابقة: في القرن التاسع عشر، أو في الحرب الباردة ولاحقاً في الحرب على "القاعدة"، حيث كانت محاور الداخل والخارج واضحة المعالم وكذلك الاهداف. معارك ترامب في الداخل ذات منحى انقلابي تستهدف المؤسسات ولا توفر القضاء، وفي الخارج مواجهة مع النظام العالمي. الاستثناء الملتبس يرتبط بالعلاقة مع روسيا، بين ترامب وبوتين، وفي النزاعين السوري والاوكراني تحديدا.
فاذا كان السقف العالي لهذا الاداء المتفلّت تعبيراً عن التزام الوعود الانتخابية، فقد يكون ظرفياً ومبرّراً. أمّا اذا كان الهدف مناطحة العالم، القريب والبعيد، الى حدّ الانقلاب على نظام القيم في ديموقراطية أميركا الليبرالية، فهذا مصدر قلق حقيقي داخل البلاد وخارجها.
خارج حدود أميركا يأتي الجار قبل الدار في أولويات واشنطن. المكسيك مصدر الخطر الداهم في نظر ترامب وصحبه، والاسلام مصدر الارهاب والاتفاقات الدولية التي لا تخدم المصالح الاميركية، فلا بد من تغيير قواعدها. وفي المسألة الامنية لا يمكن الاستغناء عن حلف شمال الاطلسي، الا أن "الفاتورة" تخضع الآن للمساءلة. فلا خدمات مجانية بعد اليوم للحليف كما للصديق، باستثناء اسرائيل التي هي خارج أي محاسبة أو تصنيف.
يمكن ان نتخيلّ الرئيس الاميركي وفريق عمله أمام شاشة عملاقة تُظهر جدول تصنيف الاصدقاء والاعداء، دولاً وشعوباً وثقافات. المعادلة بسيطة: America and the Rest، أميركا ترامب والآخرون. عالم بِلَوْنين، لا ظلال فيهما: حق وباطل، أبيض وأسود، ماضٍ وحاضر. وعلى هذا الاساس تأتي النظريات وتُبنى السياسات على قاعدة نحن وهم Us and Them.
وعليه، فإن الفيلم الأميركي هذه المرة لن يكون طويلاً وهو بنَفَس "جيمس بوندي": سياسة اثارة وتشويق لا مكان فيها للملل. في قاعة السينما يحضر Pop Corn لمزيد من الاستمتاع بالحركات البهلوانية للبطل الذي لا يُهزم. أما خارجها، فما الذي سيريح المتفرج أو المتلقي جراء سياسات الادارة الاميركية الجديدة؟


* نائب واستاذ جامعي

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم