الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

تحقيق - البابا الذي يتفهمنا كشباب نفقد الثقة بالسياسة وايماننا بالكنيسة

غدي حداد
A+ A-

ما أروعه هذا البابا فرنسيس. حطم كل الأصنام في ساعات، بل ربما في أيام منذ وصوله الى السدة البطرسية في الفاتيكان. لم نعرفه من قرب، انما عبر الشاشات وأعجبنا به، بتواضعه، بإيمانه، بمحبته.


ها هو اليوم في البرازيل، على الشاطئ، بيننا، ومعنا. كان ينقصه أن يلبس الشورت وينزل معنا الى المياه. لم يكن بعيداً رغم المسافة التي فصلتنا عنه. كنا في القداس بالملايين، البعض قال مليونين، وآخرون ثلاثة ملايين. لم يكن العدّ متاحاً بالنسبة لنا. ولم يكن ضرورياً. كنا في قلب الحدث. في الثورة التي لم نصنعها نحن الشباب، بل صنعها لنا هذا العجوز ابن السادسة والسبعين. هو الشاب الاول بين كل الشباب. بالنظر الى جاذبيته، كنا نود بركته، ولم نفكر في الشكوى اليه من حال الكنيسة في مختلف دول العالم، ومن قرفنا أحياناً من بعض رجالاتها وممارساتهم، فإذا برأس الكنيسة يسبقنا الى الشكوى، لكنه يزرع فينا الأمل بمستقبل مشرق نصنعه نحن للكنيسة في العالم.


لم يتجنب موضوعاً للحديث عنه والبحث فيه. المرأة المثليون، الفساد في الكنيسة، المال، الكهنة، دور الشباب...
موضوعات نحتاج دوماً الى البحث فيها ويتجنب ذلك بعض الكهنة والرهبان والراهبات. اذ يرون فيها احراجاً، وربما اقرارا بالتقصير يحبذ اكثرهم عدم الخوض في تفاصيله.
لكن البابا فرنسيس، المؤمن ببساطة وعمق، لم يخجل من تناول اي موضوع، والاجابة عن تساؤلاتنا. وهذا ليس فضلاً منه علينا، بل واجباً للرعية على الراعي.
صحيح ان زيارة البابا بينيدكتوس السادس عشر الى لبنان زرعت فينا الأمل، واعادت تسليط الاضواء على وطن الارز، لكن لقاءنا البابا فرنسيس في الايام الماضية، اعطانا دفعاً اضافياً لنتمسك برسالتنا في وطن الارز هذا والدفاع عنه وعن رسالنته، لنعود بزخم اكبر، ونعمل اكثر للاصلاح.
والحال هذه لا تنطبق علينا نحن اللبنانيين فقط، بل كل الشباب الذين توافدوا من كل انحاء العالم للقائه، اذ دعانا الى اتباع خط يسوع المسيح من خلال الانخراط في القضايا الاجتماعية والسياسية من اجل تغيير العالم".
وأعرب البابا فرنسيس عن تفهمه ودعمه المعنوي "للشباب الكثر" الذين "ما عادوا يثقون بالمؤسسات السياسية" بسبب الفساد المستشري فيها، وكذلك ايضا اولئك الذين "فقدوا ايمانهم بالكنيسة" بسبب وجود كهنة سيئين لا يلتزمون تعاليم الانجيل.
وقال البابا في مسيرة درب الصليب خلال احتفالات الايام العالمية للشبابية ان "يسوع يقف حاملاً صليبه الى جانب الشبان الكثر الذين ما عادوا يثقون بالمؤسسات السياسية لأنهم يرون فيها الانانية والفساد"، ونقف ايضا الى جانب "اولئك الذين فقدوا ايمانهم بالكنيسة، وحتى بالله، بسبب التناقض بين المسيحيين ورسل البشارة".
ودعا رأس الكنيسة الكاثوليكية الشبيبة الى التحلي بـ"الشجاعة" وعدم الاقتداء ببيلاطس البنطي، الحاكم الروماني الذي غسل يديه من دم يسوع المسيح، مؤكدا ان "اول اسم اطلق على البرازيل هو "ارض الصليب المقدس". لقد غرس الصليب قبل اكثر من خمسة قرون ليس فقط على الشاطئ بل ايضاً في تاريخ الشعب البرازيلي وقلبه وحياته".
ودعا البابا الشباب الى الاقتداء بالمسيح ووضعه في حياته، وقال "ضع المسيح في حياتك، ضع ثقتك فيه ولن تُخذل ابدا".
في اللقاء مع البابا في البرازيل، تحررنا من كثير من الاثقال والاحمال، وشعرنا مجدداً بأن الكنيسة يمكن أن تكون لنا، فلا تبقى مؤسسة يحكمها أمراء، وان دورنا فيها أكبر من المتوقع. وعلينا اليوم أن نحمل تلك الافكار الى كنائسنا المحلية علنا نحرك فيها الجمود الذي يحكمها ويتحكم بها. فكنيسة لبنان ليست بعيدة كثيراً عن كنيسة البرازيل، ولو ان اعداد الذين يغادرونها قليلة جداً بسبب الانغلاق الفكري والتعصب الذي يحكمنا في كل تصرفاتنا نحن وكل أبناء بلدنا وشرقنا المعذب.


جنون القرب من الناس بدل جنون الحماية المصفّحة


سأل أحد الصحافيين البابا عن مسألة امنه الشخصي خلال يوم الشبيبة العالمي، كحركته من دون حواجز تمنع الناس من الوصول اليه او مواكبة امنية شديدة. فأجابه البابا "بفضل "قلة الأمن، تمكنت من ان اكون قريباً من الناس، ان اعانقهم، ان احييهم، دون سيارات مصفحة". واضاف: "الامن هو ان نثق بالشعب".
وأردف: "بالطبع، هناك دوماً خطر ان يكون بين الجموع مجنون يريد ان يفعل شيئاً مؤذياً، ولكن هناك دوماً الرب".
وختم جوابه بالقول: "ان وضع حاجز مصفح بين الاسقف والشعب هو جنون، وانا افضل الجنون الآخر.
جنون القرب، الذي يفيد الجميع".


العمل منبع الكرامة بالنسبة للفرد


قال البابا فرنسيس ان العالم يخاطر بفقد جيل من الشباب بسبب البطالة ودعا الى ثقافة اكثر قبولا للآخر وقال "الازمة العالمية هي عدم معاملة الشباب على نحو جيد... نخاطر بان يكون لدينا جيل لا يعمل. العمل منبع الكرامة بالنسبة للفرد".
وقال البابا "الشباب يمرون بأزمة في الوقت الحالي... اصبحنا جميعا معتادين على هذه الثقافة التي يتم التخلص فيها من الشيء بعد استعماله. نفعل الامر ذاته مع المسنين لكن مع وجود كل هذا العدد من العاطلين فانهم يتأثرون بثقافة يمكن الاستغناء فيها عن اي شيء. علينا ان نوقف عادة التخلص من الاشياء. نحتاج الى ثقافة القبول".
وبلغ معدل البطالة بين الشباب في الدول المتقدمة نسبا مرتفعة جدا لدرجة دفعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الى المطالبة بمزيد من التدخل الحكومي وربما يكون ذلك من خلال دفع مبالغ للشركات للاستعانة بعمالة جديدة. ويقترب معدل البطالة بين الشباب في اليونان واسبانيا من 60 في المئة.
وقال فرنسيس انه يجب الا يشعر الشباب بالعزلة مضيفا "عندما نعزل الشباب... نحرمهم احتمال الانتماء... والشباب لا بد ان يكون لهم انتماء".

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم