الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

استعادة العقل والضمير

مروان اسكندر
مروان اسكندر
استعادة العقل والضمير
استعادة العقل والضمير
A+ A-

ان تصريحات السياسيين عموماً عن قانون جديد للانتخاب – وتوصيات لجنة فؤاد بطرس في هذا الصدد موضوعة على رف النسيان منذ سنوات ولا يذكرنا بها سوى ملاحظات لوزير الداخلية سابقاً زياد بارود – كما تصريحات العدد الاكبر من الوزراء عن بنود الموازنة يمكن اعتبارها مؤشرات للمراوحة والغرق التدريجي في وحول الاهمال والتصوير الافتراضي بمقدار من الغباوة أن المطروح أفضل الممكن.
بكل تأكيد ليس المطروح أفضل الممكن. فهنالك مبادرات تنتظر الاقدام، سواء من القطاع العام أو القطاع الخاص، لكن الظروف المحيطة بتنفيذ أي مشروع ذي أهمية ايجابية لحياة اللبنانيين تحول دون التنفيذ واطلاق التصريحات غير المقنعة عن العوائق.
ثلاثة وزراء أبدوا تفهماً للاوضاع الادارية السيئة وضرورات تشذيب بنود الموازنة أو على الاقل تطوير مقدار الفائدة من بنود تنعكس تحسنًا لشروط حياة اللبنانيين. ووزير رابع أفاد عن نصف تحسن لا يكفي لتحقيق الفائدة المطلوبة.
وزير الصحة الذي هو اختصاصي بشؤون برمجة تطبيقات أنظمة المعدات الالكترونية المتطورة كرس استعمال البوابة الالكترونية للتعجيل في اجراءات تمكين اللبنانيين من الحصول على المنافع التي التزمتها الحكومات المتعاقبة في نطاق الخدمات الصحية، وتسهيلها.
الوزيرة السيدة الوحيدة في عداد الوزراء كانت الوحيدة التي صرحت بوضوح ان الاصلاح الاداري في مجالات عمل الحكومة وتفاعلها مع حاجات المواطنين يتمثل في اقرار وتنفيذ برامج معلوماتية متطورة تكرس مدخل البوابة الالكترونية في التعامل مع مؤسسات الدولة، كما هو الحال في البلدان المتقدمة عن لبنان ومن هذه دبي وأبو ظبي.
الوزير الثالث الذي عبر عن موقف مفيد بالنسبة الى مناقشات بنود الموازنة كان وزير الاقتصاد الذي أبرز فائدة فصل سلسلة الرواتب والرواتب عن بنود الموازنة ما دامت ملحوظة ومركونة في الاحتياط منذ زمن، وهذا الأمر عقلاني ولا يستدعي التصريحات النارية التي عودنا إياها رئيس نقابة معلمي المدارس الخاصة الذي بادر الى التهديد بالإضراب واقفال ابواب المدارس في وجوه الطلاب. ووزير الاقتصاد أقر بضرورة اعادة النظر في جدول الضرائب المقترحة، مؤكداً ضرر بعض الضرائب والرسوم الجديدة على النشاط الاقتصادي. وأي مراقب واعٍ لمستلزمات تنشيط الاقتصاد وتعزيز امكانات استدراج الودائع والسياح يدرك ان لزيادة الضريبة على الفوائد نتائج سلبية – خصوصاً ان الضرائب على فوائد الودائع غير ممارسة اقليميًا – كما رسوم المطار الاعلى في العالم ومضاعفة رسوم الطوابع كلها مع غيرها تساهم في تقزيم الاقتصاد.
الوزير الرابع الذي أبدى جرعة بسيطة من التفاؤل كان وزير الطاقة، وجرعة التفاؤل التي وفرها تتناول برنامج استقبال وتقويم عروض الشركات الفنية القادرة على التزام التنقيب عن النفط والغاز ومباشرة أعمال البحث والتنقيب ربما مطلع سنة 2018، وهو في الوقت ذاته اشار الى ان التغذية الكهربائية ستتحسن بما يعادل ثلاث ساعات يومياً مع مقاربة انجاز ترفيع منشئات محطة الزوق وتوسيعها.
ما لم يتحدث عنه وزير الطاقة – وهو شاب مقتدر – ان مشكلة الكهرباء لم تعد بالنسبة الى توفير هذه الخدمة الضرورية للحياة الحديثة مشكلة تأمين الطاقة الكهربائية، بل اصبحت مشكلة تكاليف الحصول على الطاقة المطلوبة لكفاية حاجات المواطنين، والمصانع، والمستشفيات، والمكاتب، والمدارس الخ بأسعار مقبولة.
ان الطاقة الانتاجية لمولدات الكهرباء الخاصة باتت تفوق طاقة المعامل التابعة لمؤسسة كهرباء لبنان، لكن الرسوم المفروضة على المواطنين تفوق بثلاثة الى أربعة اضعاف الرسوم التي تفرضها مؤسسة كهرباء لبنان، والتي ليست كافية لان عجز مصلحة الكهرباء يقارب الـ1,5 مليار دولار سنوياً – وهذا كان الرقم في 2016 ويقدر ان يرتفع في 2017 لان اسعار النفط ومشتقاته والتي نستعمل منها المازوت بكثافة لانتاج الكهرباء، في ارتفاع مستمر منذ بداية السنة، كما أن زيادة الانتاج تزيد العجز – فالعجز في مؤسسة كهرباء لبنان مرشح للارتفاع لاكثر من سبب، كذلك فإن معدلات التلوث من المولدات الصغيرة الخاصة، ومن المولدات المتوسطة، هي أعلى من نسب التلوث المفترض ضبطها في المعامل الرئيسية، وهذا أمر غير متحقق. وأخيراً إن استهلاك المازوت في معامل انتاج مصلحة كهرباء لبنان يفوق ما كان في الامكان تحقيقه لو جهزنا أنفسنا منذ سنوات لاستعمال الغاز كلقيم مع توفير في الكلفة وتحسين لشروط البيئة.
حضرة وزير الطاقة، انك تدرك ولا شك ان تأمين الكهرباء بفاعلية لتغطية حاجات جميع اللبنانيين مقابل تكاليف معقولة يمثل المشكلة الاقتصادية والانتاجية الكبرى في لبنان، وانت تدرك ان استعمال شبكة التوتر العالي لن يكون على المستوى التقني المطلوب ما لم نتمكن من انجاز تمديد الوصلة التي تبدو مستحيلة تحت برمانا، وانت تدرك ان انتاج الكهرباء وتوزيعها بفاعلية أمر يستوجب انشاء هيئة لادارة شؤون الكهرباء – وكان موضوع انشاء هذه الهيئة قد أقر منذ عام 2005 من غير ان ينفذ وباتت شؤون الكهرباء على كتفي المهندس كمال الحايك الذي، مهما بلغت كفايته، لن يستطيع معالجة الموضوع بفاعلية تطمئن اللبنانيين الى مستقبل توافر الكهرباء، وتخفيف التلوث، وتحقيق وفورات التشغيل.
لقد قصدنا في هذا المقال الابتعاد عن الانتقاد المتسرع مع التشديد على لفت الانتباه الى ما هو أهم بكثير من تمرير موازنة تسهم في خنق الاقتصاد وقت نحن نحتاج الى اعطاء جرعة من التفاؤل لجميع اللبنانيين، بدل مناخ الاستسلام والتقاعد عن الانجاز الذي يسود غالبية الوزارات، ومن هذه وزارات ذات اهمية اعتبر من تولاها انها غير قائمة لان مكاتبها ليست مجهزة على المستوى المطلوب. حينما تعرض لبنان لأضرار زلزال عام 1956، لم تكن هنالك وزارة لاعادة اعمار ما تهدم، كلّف اميل البستاني المقدام هذه المهمة فانشأ وزارة من الواح الاسمنت في موقع الاضرار في الجبل، وعمل مع فريق جمعه خلال أقل من شهر على انجاح اعادة الاعمار. هكذا كان القليل من رجالات لبنان، فهل لدينا من يماثلهم، بعد غيابهم وغياب رفيق الحريري؟

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم