الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

وجيه نحلة تلميذ مصطفى فرّوخ صنع أكاديميته وأسلوبه بنفسه

محمد شرف
وجيه نحلة تلميذ مصطفى فرّوخ صنع أكاديميته وأسلوبه بنفسه
وجيه نحلة تلميذ مصطفى فرّوخ صنع أكاديميته وأسلوبه بنفسه
A+ A-


وجيه نحله، الذي تمتع بحيوية لم تطفئها السنون، وبحبّ للحياة يمكن رصده في كل ما كان يقوم به، انتقل إلى العالم الآخر. ندرك الآن أن عدم رؤيتنا إياه في الآونة الأخيرة، مشاركاً في مناسبات ما كان ليفوّتها، وهو الذي كان يلبّي معظم الدعوات التي تُوجَّه إليه من دون تباطؤ، تسبب به خللٌ صحيّ ما لم يخرج من براثنه سالماً.


لدى التعريف به في المواقع الخاصة بالفنانين التشكيليين، يمكن قراءة العبارة الآتية: "وجيه نحله، هو رسام لبناني مرهف الحس يجعل الريشة تأخذك معها إلى رحلة ممتعة تحاول من خلالها أن تراقب كل تفاصيل اللوحة. يحمل جوائز وتنويهات عديدة". العبارة مختصرة في طبيعة الحال، ولا تعبّر في شكل واف عن حياة الفنان ومسيرته التي استمرت ما يزيد على نصف قرن من الزمن.
ولد وجيه نحله في بيروت، العام 1932، ولكن يبدو أن موطنه الحقيقي بلدة الطيبة في الجنوب اللبناني، التي تركت في نفسه أثراً رافقه في أعمال كثيرة، وإن لم يكن هذا الأثر مباشراً في وقعه التمثيلي وارتقاءاته التصويرية.
تردد وجيه نحله على محترف مصطفى فرّوخ، في زمن كان الفن التشكيلي اللبناني خلاله يتطلّع إلى إيجاد صفات خاصة به تميّزه عن التأثيرات الأوروبية. انتدب مصطفى فروخ بعض لوحات تلميذه لتشارك في معارض متفرّقة، وبعد عامين شارك في معرض الأونيسكو الكبير. تحدثت الصحف عن موهبته الصاعدة، ونال منحة للدراسة في الولايات المتحدة الأميركية، لكن والده عارض سفره، بعدما اتسعت العائلة إلى 12 ولداً، وبات على الفنان المشاركة في إعالتها. لم يمض وقت طويل حتى ذاعت شهرته في لبنان والخارج، ويعود الفضل في ذلك إلى معارضه الكثيرة، المستندة إلى الحيوية التي ذكرناها آنفاً، وإلى قدرته على إنجاز أعمال فنيّة في أوقات قياسية. نذكر المرة الأولى التي شاهدنا فيها أعمالاً للفنان، في سبعينات القرن المنصرم، وكان، مذّاك، يندرج في صفوف التشكيليين اللبنانيين الذين كان لهم دور واضح في دفع تيار الحداثة الفنية في لبنان نحو آفاق جديدة، وإن كان ذاك الجديد الذي أتى به تمثّل بمساهماته في الفن الخطوطي العربي، بعدما كيّفه مع نظرة لله، "نعم للّه، كما قال الراحل جوزف أبو رزق، نقطة إلتقاء جميع المقابلات، والترتيب المقرر مسبقاً لكل التناسقات".
حرر وجيه نحله الخط العربي من الإرتباطات التقليدية، وصممه بحسب إعتبارات حديثة، جاعلاً من الكتابة مورداً لتفاعلات مختلفة، ومحوّلاً إياها منطلقاً لمجموعة مواقف من شأنها صنع مادة اللوحة، ومنح الموضوع صفة شمولية. وربما، إستناداً إلى هذه العلاقة بالخط تحديداً، أراد الفنان البحث عن الصفة الفنية المحليّة، التي من شأنها أن تميّزها عن الإتجاهات العالمية في شكل عام، والأوروبية في شكل خاص.
على أن المساهمة الأخرى للفنان تمثّلت، في شكل جلي، بما تضمنته أعماله من حركة تصويرية ولونية، صارت من مميزات أسلوبه منذ بداية تسعينات القرن المنصرم، وصار التعرّف إلى أعماله، من خلالها، مسألة بديهية، وهي حركة صعودية وإنحدارية، متمايلة و"متفجّرة" في الإتجاهات كلّها. وإذا كان العمل الفني لديه يرتكز، أحياناً، على قاعدة حارة كأنّها أرض ملتهبة، فإن الشكل المتحرّك، الذي قد يكون قامة بشرية (أنثوية في غالب الأحيان)، أو خيولاً أو أشكالاً يصعب تحديد هويتها، يسبح في الأزرق اللامتناهي الذي يتخلله بياض يبدو كأنه استراحة وجيزة في الحركة، التي تلتف على ذاتها ويتردد صداها في اللوحة. يبدو أن وجيه نحله، الذي شاء أن تكون الكتابات الخطوطية التي عمل عليها بأسلوب بعيد عن الجمود، أراد أن يعكس ذلك الزخم في أعماله كافة.
تربّع وجيه نحله على مسيرة متراكمة، أنجز خلالها نحو سبعة آلاف لوحة، وهو يقول: "أنا خلقتُ أنا، صنعتُ أكاديميتي وأسلوبي الخاص، فالفن يحتاج إلى ثماني ساعات من العمل اليومي"، مضيفاً: "لا يمكن أن تستمد ما تريده من المحسوس والملموس، بل من روحانيات هلامية، فضائية، فيها نور وصفاء وبعد وسفر".


■ فنان وناقد تشكيلي وأستاذ جامعي.

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم