الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

القوّة اللبنانية... الناعمة

المصدر: "النهار"
طارق عينترازي-كندا
A+ A-

تقول احدى النكات الرائجة زمن الحرب الباردة ان نابوليون وستالين التقيا في دنيا الآخرة، فبادر ستالين نابوليون بالقول: "لو كان عندي جنرال بمهاراتك العسكرية لأصبح العالم كله شيوعياً. فرد نابوليون قائلاً: "لو كان عندي صحيفة البرافدا لما سمع أحد بمعركة واترلو". حسّ الفكاهة سبق الاكاديميين وعلماء السياسة والاجتماع بتوصيف المزاج الوطني وبمعرفة اهمية الاعلام في الصراع السياسي بعقود.


فتعبير "القوة الناعمة" لم يطلق حتى العام 1990 مع البروفيسور جوزف ناي في كتابه Bound to Lead, the changing nature of American power حيث اعتبر ان العوامل الاقتصادية والثقافية والاعلامية والترفيهية قادرة على احداث التغيير المنشود بحيث نجعل الدول الاخرى "تريد ما نريد" ولا "نجبرها على ما نريد".



اثبت انهيار المعسكر الشيوعي ان القوة الناعمة هي اعتى من القوة العسكرية. فالاتحاد السوفياتي قدم 20 مليون ضحية في الحرب العالمية الثانية ولم ينهزم. لكنه تفكك عندما اصبح الشعب الروسي يحلم بالصورة التي بناها الاعلام الغربي عبر الافلام والمسلسلات وعبر صوت اميركا والـ" #بي_ بي_سي"، مقارنة بالحرمان والتقشّف والقحط الثقافي والترفيهي الذي عاشته الشعوب تحت الحكم الشيوعي (أو الاشتراكي).
لذلك يجب علينا الألتفات الى أهمية الأعلام اللبناني، كمكوّن اساسي من مكوّنات القوة اللبنانية الناعمة، بحيث يجب جعله جزءاً اساسياً من الاستراتيجية الدفاعية اللبنانية.


الاستراتيجية الدفاعية الوطنية
نقول هذا مع توقع الاجابة الجاهزة للبعض في لبنان بأنه في غمرة حقول القتل التي تحيط لبنان، يبدو الحديث عن القوة الناعمة سوريالياً او منفصلاً عن الواقع. أو قد يذكرنا البعض بفشل نظرية قوة لبنان في ضعفه (مع ان الكثير من معارضي نظرية قوة لبنان في ضعفه ترحموا عليها في ما بعد).
من المؤكد ان تطور الاعلام الرقمي والتلفزيوني وصمود النموذج اللبناني يجعل من الاعلام اللبناني ضرورة وطنية وجزءا اساسيا من الاستراتيجية الدفاعية الوطنية. وهذا الجزء (اي الاعلام والثقافة) هو الاقل كلفة والأقل اشكالية والاكثر فعالية خاصة اذا قارنّا بين حجم القوى التي تتطاحن حول لبنان مع محدودية ما يمثله لبنان ديموغرافياً واقتصادياً وعسكرياً (على قاعدة رحم الله امرىء عرف قدره).


صناعة المحتوى
فقد برهن لبنان قدرةً على تعايش تيار ديني متزمت يمثله "حزب الله" وأقلية من التيارات السنية مع أكثرية الشعب اللبناني التي تعيش ليبرالية ثقافية واجتماعية ودينية تقارب ليبرالية المجتمعات الغربية في الكثير من الوجوه.
لذلك فإن الاعلام اللبناني، الحر وغير الموجّه، وصناعة المحتوى هما الأقدرعلى مساعدة الديبلوماسية اللبنانية لجعل حماية لبنان، والنموذج اللبناني، حاجة اقليمية ودولية. فبينما تجهد دول ومجموعات لبناء صورتها كدول متسامحة ومنفتحة، يجسد لبنان هذه المعادلة بدون منّة من أحد وبدون توجيه يذكر من الدولة اللبنانية.


نحن نعلم ان الاعلام اللبناني تشوبه الكثير من التشوهات، الكثير من الابتذال حيناً وافتقاد الموضوعية والشخصانية أحياناً. الاّ ان هذه التشوّهات هي جزء من مناعة هذا الاعلام وتنوّعه.



لذلك يجب على الدولة دعم قطاعات مختارة من صناعة الاعلام والمحتوى اللبناني مثلاً:
1. اطلاق برنامج منح للتلاميذ المتفوقين والراغبين بدراسة الاعلام.
2. دعم الانتاج التلفزيوني والدراما اللبنانية.
3. دعم المسرح اللبناني - تخيّلوا مثلاً أهمية المساهمة في دعم زياد الرحباني على انتاج مسرحية جديدة.
4. دعم المواهب والانتاجات الموسيقية الشابة في الكونسرفتوار اللبناني.
5. وأخيراً والاكثر أهمية ربما دعم الانتاج الرقمي.


يجب ربط هذا الدعم بعملية مبرمجة من الدمج والاستحواذ بين اللاعبين الأساسيين في القطاع وذلك بهدف انتاج مجموعات قوية وقادرة على منافسة المدن الاعلامية الاقليمية. وهناك أكثر من آلية للوصول الى هذا الهدف. فيمكن مصرف لبنان أن يربط خطة الدعم لقطاع الانتاج الاعلامي بشروط تجبر الشركات على الاندماج والتعالي فوق الحساسيات الشخصية والحسابات الضيقة. فالكيانات الاعلامية اللبنانية تملك البنية التحتية لانشاء أكبر مدينة انتاج اعلامي في شرقي المتوسط. الّا ان تشرذم هذه الكيانات يجعلها ضعيفة وغير قادرة على المنافسة والاستثمار في العنصر البشري والتكنولوجيا. لذلك يجب ان تكون الخطة متكاملة بحيث يتزامن اصلاح بنية الاعلام وآلية الحوكمة مع الدعم المالي. فكما نجح مصرف لبنان في ادارة قطاع المصارف عبر استخدام ذكي لسياسة الدمج والأستحواذ، يمكن تطبيق المنطق نفسه في قطاع الأعلام.


أقل كلفة وأوسع انتشاراً
كما أودّ القول ان روحية ما تقدم ليست قائمة على عنصر الشفقة على عائلات تعتاش من القطاع الاعلامي. فمقاربة الحل لقطاع الاعلام من منطلق الشفقة تؤدي الى تفشي البطالة المقنعة ودعم وظائف أشخاص غير قادرين على العطاء، كما هو الحال بمعظم الدوائر الحكومية وبعض المؤسسات الاعلامية، التي فشلت في المنافسة بالرغم من عشرات الملايين التي حصلت عليها من المال السياسي.



لذلك وفي خضم الحديث المتجدّد عن أزمة الاعلام اللبناني وعن الاستراتيجية الدفاعية، يجب علينا البدء بما هو أسهل وأقل كلفة وأوسع انتشاراً وأقل اشكالية. فالاعلام اللبناني قادر على الوصول الى جميع انحاء الكرة الارضية، وليس فقط الى حيفا وما بعد بعد حيفا!

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم