الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

بين الحرية والتطاول

راشد فايد
بين الحرية والتطاول
بين الحرية والتطاول
A+ A-

لا داعي للرهان على أن الجهات الأمنية لم توقف أحدا في قضية محاصرة تلفزيون "الجديد"، الأسبوع الفائت، والاعتداء على مقره، وعلى الأمن الأهلي. فما انتهت إليه ليلتا الفجور الميليشيوي لعناصر غير منضبطة، من "محبي" رئيس مجلس النواب، يشي بأن "تبويس اللحى" هو ما رست عليه الأحجار المتطايرة، وهلع مذيعة الأخبار. لكن الأمر أخطر من أن تقلب صفحته بسهولة، إذ يؤشر مجددا إلى أن بعض السلطة مستعد لتمريغ القانون بأوحال الغوغاء، كأنه يعلن عودة فوضى الحرب الأهلية، من دون حرب، لحسابات شخصية، إذا صدق زعم يقول إن السبب هو تدهور العلاقة بين صاحب المحطة ومن يقف وراء محاصريها.


يؤكد ذلك أن من يدقق في مجريات البرنامج الذي يفترض أنه حرك الغوغاء، واتهم بالإساءة إلى الإمام المغيب موسى الصدر، لا يقع على أي وجه من ذلك، وهو ما يسمح بالاستنتاج أن حضور النائب السابق حسن يعقوب، إبن الشيخ محمد يعقوب، رفيق الإمام المغيب، في البرنامج، هو مصدر "استفزاز" الغاضبين، ربما لرواية يتبناها عن جدية التحرك في قضية الإمام ورفيقيه.
ليس المجال لتحديد المسؤولية، بل لاستخلاص العبر. أولاها أن احترام القانون، والمجرى الديموقراطي للأمور، ليس مسلما به لدى بعض أهل السلطة، وأن بعض الهامات فيها يواري استخفافا بالقضاء. ثانية العبر، أن البعض لا يسلم بالدولة سلطة عليا على الجميع، بل يفضل منطق الميليشيا عليها، ولا يتردد في إحيائه حين تدعو الحاجة. ثالثة العبر، أن من يحدث اللبنانيين عن تعزيز دور الدولة، والاعتزاز بقواها العسكرية والأمنية، لا يتردد في مسخها وتهميشها وتحويلها إلى قوة فصل بلا حول ولا قدرة، بين المحطة وميليشيا غير مسلحة، "بصريا"، وتقييدها، ضمنا، بعدم مواجهة "المستغضبين"، وإلا واجهت الأسوأ.
لا ينحصر الاستهتار بالقانون في المهاجمين. فالمحطة سبقتهم إلى ذلك، كلما كانت توسع مفهومها لحرية الإعلام بالإساءة إلى خصومها السياسيين وغير السياسيين، الذين يتغيرون ويتنوعون بتغير مصالح القيمين عليها، السياسية وغير السياسية، حتى أن كثيرين من رواد مواقع التواصل الاجتماعي مالوا إلى الشماتة بها، وعدم استنكار الاعتداء على حرية الإعلام، وذكّروا العاملين فيها بمواقفها من 7 أيار "المجيد" والاعتداء على تلفزيون "المستقبل" وجريدة "المستقبل" و"إذاعة الشرق"، وغيرها من مؤسسات إعلامية محسوبة، في توجهاتها، على قوى 14 آذار.
أمس، دافع جون ماكين عضو مجلس الشيوخ الأميركي عن حرية الإعلام في مواجهة هجمات الرئيس دونالد ترامب، وحذر من أن قمع حرية الصحافة "هي الطريقة التي يبدأ بها أي دكتاتور عمله". المشكلة في لبنان كثرة الديكتاتوريين المتوثبين للانقضاض على حرية الإعلام، وكثرة الإعلاميين الذين يخلطون بين الحرية والتطاول.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم