الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

برلين ٦٧- "جلود": فيلم صادم بشخصيات مشوّهة لمخرج عشريني يُنجز عمله الأول!

المصدر: "النهار"
برلين ٦٧- "جلود": فيلم صادم بشخصيات مشوّهة لمخرج عشريني يُنجز عمله الأول!
برلين ٦٧- "جلود": فيلم صادم بشخصيات مشوّهة لمخرج عشريني يُنجز عمله الأول!
A+ A-

"جلود"، فيلم مفاجئ عن السويّة الاجتماعية، يلعب على المشاعر ويستغلّ المساحة غير المستغلة فينا، ليتركنا على حيرة طوال فترة بعد الخروج من الصالة. مخرجه الاسباني ادواردو كازانوفا (مواليد ١٩٩١) صاحب أسلوب عارم، يعتمد في تجربته الإخراجية الأولى بعد سلسلة أفلام قصيرة، على قوّة الصور واللغة البصريّة. عُرض هذا العمل السوريالي الغريب (غرابة يهضمها الفيلم بسهولة)، في قسم "بانوراما"، ضمن الدورة السابعة والستين لـ #مهرجان_برلين (٩ - ١٩ الجاري)، مما يعني أنّه لم يلقَ، يا للأسف، الاهتمام الذي يستحقّه من جانب الصحافة والنقّاد الذين يغطّون التظاهرة الألمانية العريقة. وهذه إحدى أعظم الإشكاليات في المهرجانات الكبرى، فكلّ التركيز (أو معظمه) يصبّ على المسابقة الرسمية، في حين أنّ ثمة جواهرَ مخبأة في أقسام أخرى على أحدنا نبشها لإيجادها. وغالباً ما يتمّ اكتشافها في عروض لاحقة ضمن مهرجانات أخرى.


"جلود"، زاخر بالشخصيات التي لا نراها في أفلام كثيرة. إنها أصحاب الإعاقات الجسدية والعاهات والتشوّهات الخلقية: فتاة "فتحة شرجها" على وجهها، ووجهها في مؤخرتها! شابة أخرى ولدت بلا عينين. رجل برأس محروق. شاب يحلم ببتر ساقيه لاعتقاده بأنّهما ليستا ملكه. شخصيات همّشتها الحياة، لا بل جعلتها تخجل من نفسها وعيوبها لعدم قدرتها على الاستجابة لمعايير الجمال التي تكرّست عبر الزمن.


وفي طبيعة الحال، يترافق هذا كلّه مع قدر لا يُستهان به من العقد النفسية والعزلة والخجل والحرج وعدم قبول الذات والرغبة في الانتقام. الفيلم يصوّر تمرّد البعض واستسلام البعض الآخر، وكل السلوكيات التي تتولد من العيش بوجه مشوّه أو بكيلوغرامات زائدة لا خلاص منها، أو بطلة لا يحلو للآخرين التفرّج عليها. ولكن مهلاً، "جلود" ليس فيلماً خطابياً تقليدياً يردّ الاعتبار الى هؤلاء الذين يرفض الآخر رؤيتهم (إلا بعض المهووسين بالتشوّهات الخلقية الذين يستمنون أمام صورهم - نعم!). فنحن أمام سيناريو يتنقّل بين الشخصيات ليضعنا في إطار من الجماليات المركّبة والمصطنعة، حيث يتم استحضار "الجمال" واستجوابه. لن يكون هناك كيلوغرام من الرأفة والتضامن والعطف تجاه هؤلاء المنبوذين المكروهين المتروكين لعزلتهم المريضة، بل المزيد من الاحتقار مع كل مشهد جديد.


الفيلم نفسه غارق في ألوان الباستيّ المصطنعة، كحبة بونبون، من زهر وبنفسجي وتدرّجاتهما، كأنه نوع من بيان تأسيسي للجمال يرفع شعار الكيتش والزيف، ولا يلبث أن يتحوّل سخرية ما بعدها سخرية. في حين أنّ على الشخصيات التعايش مع ألمها تحت قبّة نظم الجماليات القامعة هذه.


في العرض الشعبي، لم يعرف البعض إذا ما كان يتوجّب عليه الضحك أو الشعور بالشفقة، خصوصاً مع إطلالة الفتاة ذات الوجه - المؤخرة، وهذا إن دل على شيء، فهو على طبيعة الفيلم الذي أراده كازانوفا. هذا الذي يتلذّذ في وضعنا داخل مأزق أخلاقي.


ندخل في واقع الشخصيات خلال لحظة مصيرية. شيء ما جديد لم يحدث سابقاً سيحدث لها فيغيّر واقعها إلى الأبد. طول الأنّات لم يعد يقضي بالحاجة لمواجهة الحتمية وتقبّل المذلات اليومية، فيخلق الفيلم للشخصيات مساحة شاعرية حيث الأشياء تأخذ مجراها وفق منطق غير منطقي بالضرورة. بحوادثه الدرامية التي تُفضي إلى حالات هستيريا (في النهاية نحن في أسبانيا)، وأجوائه الصارخة وشريطه الرومنسي الصاخب، يزجّنا كازانوفا في عمل يستعير من أجواء جون وترز، وإنما يضمن قبل أي شيء تحدّره من تود برونينغ، ولكنه مطعّم بخلطة أسبانية ذات طعم حاد.


يطرح الفيلم، المستفزّ إلى أعلى درجة الاستفزاز، من بين ما يطرحه، التناقضات التي يستخرجها من أعمق الفانتازمات البشرية. وهي تناقضات تجد ترجمتها الصورية منذ الافتتاحية، حين يجلس رجل خمسيني رُزق بطفل للتو أمام سيدة عجوز مترهّلة تعرض عليه بشراً للإيجار. هذا كلّه قبل أن يصعد بنا الفيلم إلى ذروة الميلودراما بهدف إبعاد شبح الفكر الجاهز عن أبطالها، ولكن بأكثر الطرق إشكالية: الصدمة.


حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم