الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

مهرجان برلين بين "العشاء" و"الحفل": شبح ترامب و"بركسيت" على السينما

المصدر: "النهار"
مهرجان برلين بين "العشاء" و"الحفل": شبح ترامب و"بركسيت" على السينما
مهرجان برلين بين "العشاء" و"الحفل": شبح ترامب و"بركسيت" على السينما
A+ A-

في الـ"برليناله" هذه السنة (٩- ١٩ الجاري)، ورغم الهدوء الذي يسوده، ثمة فيلمان على الأقل يعكّران صفو الأجواء. الأول هو "العشاء" للأميركي الإسرائيلي أورن موفرمان، والثاني "الحفل" للبريطانية سالي بوتر. العملان، وهما ليسا أفضل ما شاهدناه، عُرضا في الجزء الأول من التظاهرة السينمائية الألمانية، مع العلم أنّهما يتسابقان على "الدبّ الذهب"، الجائزة التي ستوزَّع مع غيرها من الجوائز السبت. وإذ نجمع الفيلمين هنا في مقال واحد، ذلك أنّه ثمة عدد من النقاط التي يلتقيان فيها، بدءاً من الصيغة الحكائية والمقاربة الإخراجية، وصولاً إلى الموضوع نفسه. أياً يكن، ثمة واقع متوتّر ومرّ يعيشه العالم، و #السينما تعبّر عنه على طريقتها الساخرة التي تتمثّل في نسف كلّ شيء، إيماناً منها بأنّ لدى الحالات المتطرّفة من دموع وغضب وأسى، قدرة معيّنة على الشفاء أو على الأقل الرغبة في التحذير.


 [[video source=youtube id=MQRyGoVYXdM]]


 في "العشاء"، المقتبس من بست سيللر للكاتب الهولندي هرمان كوش، تتعلق المسألة بحفل عشاء كما يشير إليه العنوان. زوجان (لورا ليني وستيف كوغان) يستعدّان لتبلية دعوة على عشاء في مطعم فاخر للنخبة (المطبخ البوست مودرن محلّ تنكيت مبطّن في عدد من المَشاهد)، حيث سينضم إليهما شقيق الزوج وزوجته (ريتشارد غير وريبيكّا هول). الشقيق سيناتور يخوض حالياً حملة انتخابية لمنصب الحاكم.


اذاً، ما سيبدأ بالتوافق والوئام والاحترام والرقي سيتحوّل في نهاية العشاء مجزرة تذكّر قليلاً بـ"إله المجزرة" لياسمينا رضا. كلّ الأقنعة التي يختبئ خلفها هؤلاء الأربعة ستسقط، لتنكشف الحقيقة العارية بلا ماكياج أو تدوير زوايا كما يُقال في لغة السياسة. خلال العشاء، تحدث الكثير من الصولات والجولات حول موضوعات عدّة، يتم الالتفاف حولها بالسخرية واللؤم اللذين يميّزان شقيق السيناتور. ولكن هذا كله ليس سوى تمهيد للتصدّي إلى موضوع أخطر. على غرار مسرحية رضا، ثمة وحدة مكان في معظم الفيلم، تتخللها قفزات إلى الخارج لنقل تفاصيل حكاية موازية تنعكس سلباً على الداخل. ثمة أيضاً العديد من الفلاشباكات التي تُخرجنا من رتابة ديكور المطعم ذي خشب السنديان الفخم الغارق في العتمة. اللقاء برمّته يصوّره موفرمان كعمل تشويقي تتصاعد وتيرته مع تطوّر الحوادث ليُفضي بنا إلى وحشية قادرة عليها حتى أكثر الناس رقياً وأناقة وتذوقاً للحياة.


النصّ مطعّم بما يبدو أنّه خطاب حول الأخلاقيات المعدومة للطبقة التي تعيش "فوق الناس"، والتي لا تفكّر إلا بمصالحها وتنفض بريشها متى وقعت في مشكلة. هذا يتجلى بوضوح في السجال حول حرق ابن أحد هؤلاء لشخص متشرد عن سابق تصوّر وتصميم. منذ اللحظة الأولى، سيصبح موضوع الجدال: هل يجب العقاب أو ينبغي التغطية على الجريمة؟ وخلافاً لما قد نتوقّعه في مثل هذه الحال، لن يكون صاحب السلطة أكثر المدافعين عن تغطية الجريمة. ما يصوّره موفرمان هو النزول التدريجي لأناس عاديين إلى القعر، محاولاً استخراج أبشع ما فيهم.



 


في الأساس، وضع كوش حوادث روايته في أمستردام، إلا أنّه تم نقلها إلى الولايات المتحدة لأغراض الفيلم. لا يخفي موفرمان أنّ أميركا التي يصوّرها هنا هي أميركا دونالد #ترامب، فما جذبه إلى الفيلم هو الأسئلة المزعجة التي تُثار من داخل الطبقة الميسورة التي تعيش في قوقعة وتريد اقصاء الجميع، المهاجرين واللاجئين والمتشردين.


 [[video source=youtube id=W_3BCLgdHhQ]]


 في "الحفل"، لا يختلف مسار الفيلم عن ذاك الذي في "العشاء". هناك مرةً أخرى، مجموعة أشخاص يلتقي بعضهم البعض الآخر لهدف سامٍ، ولكن تنقلب الأشياء إلى المقلب الآخر. تنطلق الحكاية من جانيت (كريستين سكوت توماس) وبيل (الرائع تيموتي سبول). هذا المساء يستضيفان في بيتهما بضعة أصدقاء للاحتفاء بإستلام جانيت منصباً هاماً في حكومة الظلّ. كلمة من هنا، إعلان موقف من هناك، وها إنّ الضيوف وصاحب الدعوة يصطدمون ببعضهم البعض، ليتبيّن في النهاية أنّ الروابط بينهم سهلة التحطيم.


الفيلم كلّه يحدث في منزل الزوجين، وهو يغدو بديلاً للمطعم في "العشاء". اختارت بوتر، في فيلمها العاشر، خيار الأسود والأبيض لسبب لا نعرفه، ربما لتعزيز الجانب المسرحي للنصّ والبقاء بعيداً من الواقع. كلّ شيء يتعاظم مع بيل الذي يعترف بأنه مريض في مرحلة نهائية وأنّ أيامه معدودة. فهذا الاعتراف سيكون بداية سلسة من الحقائق التي ستظهر إلى العلن وتغيّر من مزاج الفيلم الذي، على الرغم من كلّ شيء، سيبقى لطيفاً ولن يبلغ البتة درجة السواد التي في "فستن" لتوماس فينتربرغ.


يذكر الملّف الصحافي بأنّ "الحفل" صُوِّر أثناء التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. في أي حال، يحمل الفيلم مؤشرات زمن مضطرب أو استشفاف لزمن قادم. زمن بلا أمل نشهد فيه "نهاية الديموقراطية"، كما تقول إحدى الشخصيات. عموماً، هذه "القَلبة" سواء في "العشاء" أو في "الحفل" ليست بالجديدة في السينما، ولكن إسقاط الراهن عليها يعطيها أبعاداً سياسية واضحة. مع ذلك، "الحفل" فيلم مسلٍّ (وهو في ذلك يلتقي بـ"العشاء" مرة أخرى)، لا يتعدّى الدقائق الحادية والسبعين، بدعابته الـ"سو بريتيش" وممثليه الذين يعرفون استخدام براعة الكلمة.


يبدو أنّ الزمن بات يُضحك من كثرة مآسيه، أو كما يُقال: "شرّ البلية ما يُضحك". في مؤتمرها الصحافي، قالت سالي بوتر أنّ فيلمها بورتريه لبريطانيا المكسورة، مصرّحة أنّ اليسار واليمين في بلدها أصبحا وجهين لعملة واحدة. "لم يعد للناس حياة سياسية، لقد فقدوا القدرة على البحث عن الحقيقة". لم تخفِ بوتر أنّ الـ"بركسيت" كان له وقعٌ كبير على تصوير الفيلم، فنصف فريق العمل كان يبكي لحظة معرفة النتائج التي آل إليها التصويت. كما أنّه ساد اعتقاد عند بعضهم أنّ الفيلم بات يعبّر عن الأزمة التي قد تنتج عن فقدان تواصل الإنسان مع مبادئه".


 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم