الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

حماية الإعلام استثمار مجد

المصدر: "النهار" -
طارق عينترازي
حماية الإعلام استثمار مجد
حماية الإعلام استثمار مجد
A+ A-


اما وقد انتهت حفلة البكائيات على اقفال جريدة "السفير" فقد حان وقت الكلام العقلاني عن كيفية حماية "صناعة" الاعلام اللبناني.
بداية، لا بد من الاعتراف بأني ادمنت "السفير" ايام الصبا. اشتريها بـ 100 ليرة كل صباح هي مصروفي اليومي في المدرسة وأقضي بقية اليوم مشتهياً منقوشة الزعتر. ما هم، فقد كانت مقالات باسم السبع وفيصل سلمان وساطع نورالدين جزءاً من قدّاس يومي. مثل أغاني مارسيل خليفة ومسرحيات زياد الرحباني، تماماً كما أصبحت مقالات غسان وجبران تويني وسمير قصير بعد عام 2000.
بالنسبة اليّ ولكثيرين اقفلت "السفير" عندما تحولت، تحت ضغط الحاجة للدعم المالي، بوقاً طائفياً تحت ستار المقاومة والممانعة الديماغوجية وتوقفت عن قراءتها.
يحسب لـ"السفير" انها صنعت نجوماً اعلاميين وفضحت دولاً عظمى ومؤامرات (من ينسى ايران - كونترا). و"السفير" كانت جزءاً من اعلامنا الذي يعتبر احد انصع وجوه الاغتراب اللبناني في العالم العربي والعالم. "صناعة المحتوى" اللبنانية (وهي التسمية الرائجة اليوم) انتجت اسماء واعمالاً خالدة.


المواهب اللبنانية
انطلق جميع هؤلاء النجوم من الاعلام المحلي. "السفير" و"النهار" و"المستقبل" و"ال بي سي"، و"ام تي في" كانت جميعاً ولم تزل اغزر الينابيع الرافدة للاعلام العربي. ان هذا المعين الذي لم ينضب من المواهب الاعلامية المميزة، هو جزء من منظومة الحماية التي يتمتع بها لبنان. كما ان الاعلام المحلي هو جزء من منظومة الحماية لديموقراطيتنا، المشوّهة ولكن الفريدة، في هذا الجزء من العالم. لذلك يجب على الحكومة العمل على حماية الاعلام اللبناني والمواهب اللبنانية عبر ايجاد فرص عمل لها. كيف؟
يكون ذلك عبر اطلاق صندوق دعم حكومي للاعلام اللبناني. ان الميزانية السنوية لجميع الصحف اللبنانية قد لا تتجاوز الـ 15 مليون دولار اميركي. وكلفة ابقاء محطات التلفزيون الرئيسية على قيد الحياة قد تكون نحو 30 مليون دولار وهي نسبة العجز بعد احتساب المدخول الاعلاني الصافي المقدر بنحو 40 مليون دولار.


 


انتفاع السياسيين


ولكي نمنع انتفاع السياسيين والمحطات التابعة لهم من هذا الدعم، يجب تحويل هذه المحطات الى ملكية عامة (Public company) يمتلك الموظفون معظم اسهمها ونسبة يملكها الجمهور عبر اسهم يتم تداولها في بورصة بيروت.
مثلاً تتخلى عائلة الرئيس الحريري عن ملكية المستقبل والرئيس بري عن الـ ان بي أن والرئيس عون عن الـ أو تي في. وبالطبع يحق لأي كان الابقاء على الملكية الحالية شرط عدم الانتفاع من الدعم الحكومي. المحطات الباقية ومعظم الصحف على ما أعتقد، تتمتع بقدر من الاستقلالية ولا تعاني من ملكية عائلة او حزب او تيّار لها. كما ان الدعم يكون مشروطاً بنجاح القناة بتحصيل 66% من ميزانيتها عبر الاعلانات او بيع حقوق البرامج ويترافق مع اصلاح وتنظيم قطاع بيع الاعلانات التجارية. وهذه النسبة تبقي الموظفين وادارة المؤسسات الاعلامية متحفّزين للعمل وللنجاح، وبالتالي تمنع الاعلام من التحول الى اعلام حكومي فاشل وفاسد يشكل مرتعاً للتوظيف الوهمي والمحسوبيات.
يمكن دبي أو الاردن أو مصر خلق البنية التحتية لجذب وسائل الاعلام وتحفيزها على جعلها مقرّات لها عبر استثمارات لا قدرة للبنان على مجاراتها. لكن تبقى الكفايات اللبنانية والجامعات اللبنانية مصدراً للكفايات لا مثيل له في العالم العربي يمكن حمايته بكلفة مالية معقولة. ففي حسبة بسيطة يستطيع مصرف لبنان تقدير ان مساهمة الاعلام في الناتج المحلي وخلق فرص العمل يجعلان كلفة الدعم استثماراً مجدياً من الناحية المالية والاقتصادية.


دراسة الاقتراح


ما تقدم هو خطوط عريضة يمكن البناء عليها. اذ يجب تعيين احدى شركات الاستشارات العالمية العاملة في منطقتنا - والتي يمثل اللبنانيون معظم كوادرها - لدراسة الاقتراح وتحديد آلية تحويل ملكية وسائل الاعلام، وهو مشروع تم تنفيذه في عدد من البلدان العربية مثل الامارات ومصر. كما ان الدراسة يجب ان تحدد آلية وشروط الدعم الحكومي والجدوى الاقتصادية من دعم صناعة الاعلام اللبناني بشكل عام. وتجدر الاشارة الى ان كندا تقوم بدرس مشروع مماثل كما ان فرنسا تدعم الانتاج الاعلامي وجزءاً كبير من محطاتها التلفزيونية. وفي الحالتين يعتبر الاعلام المستقل جزءاً من منظومة القيم الديموقراطية والانسانية والحضارية لهذه الدول. تخيلوا مدى مقاومة الاعلام الاميركي لقرارات ترامب التنفيذية وكيف فضح الاعلام الفرنسي فساد مرشحي الرئاسة. لذلك نتمنى على الرؤساء الثلاثة وعلى وزير الاعلام النزيه، المثقف والنشيط، ان يأخذوا هذا الاقتراح في الاعتبار حمايةً للاعلام اللبناني ولديموقراطيتنا ولتنوّعنا ولنظامنا السياسي. لذلك يجب اعتبار الاعلام اللبناني جزءاً من الامن السياسي لهذا الوطن يوازي الاستثمار فيه اهمية الاستثمار بالجيش وقوى الامن. فالفكر الداعشي هزم في لبنان قبل ان تهزمه قوى الامن. والاحتلال السوري هزم في الجامعات وفي افتتاحيات صحيفة النهار وأخبار الـ أم تي في قبل ان يسحب جنوده ومخابراته من لبنان. حافظوا على إعلامنا وقيمنا وعلى قدرتنا على حماية ثقافتنا وتنوّعنا.


تورنتو - كندا

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم