الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

مارون جدّ الكل

المصدر: "النهار"
الشدياق يوسف "رامي" فاضل
مارون جدّ الكل
مارون جدّ الكل
A+ A-

هو جدّ الكلّ ليس لأنّه أراد الخلود في سلالةٍ بشريّة من صلبه، وليس لأنّه أراد أن يتزعم مجموعة من الفلّاحين البسطاء والنسّاك الأتقياء.


أعلنّاه جدًّا للكلّ دون أن نستأذنه، وأخذنا اسمه دون أن نستشيره فيما يريد، وأظنّه كان يريد أن نتسمّى باسم معلّمه، وأن نعفيه مِن مَن يستعملون اسمه في مصالحهم على اختلاف هذه المصالح.
مارون جدّ الكلّ لأنّ من رحم نسكه وُلِدَت الطريقة المارونيّة في اتّباع المسيح، ولأنّ الذين ولدوا من الطريقة المارونيّة عادوا وجعلوا منها كنيسة.
هذه الكنيسة ليست كنيسة بحصر المعنى، بل تزيد عن ذلك وليست كنيسة شعبٍ أو عرق كبعض أخواتها من الكنائس الشرقيّة، بل هي كنيسة أُمم.
ليست المارونيّة كنيسة جرديّة أو جبليّة، بل تحمل الجبل وتغمسّه في الشريط الساحليّ، وتمدّ هذا الشريط إلى كافّة أصقاع الأرض.
ليست مجمعًا للقدّيسين فقط، بل هي مُلتقى الخطأة والوشاة والنمّامين وصغار النفوس والسخفاء وغلاظ الرقاب، وهي أيضًا ذاك المجرى الذي يحملهم إلى أوقيانوس البرّ.
المارونيّة تختزل تاريخًا من الإخفاقات وانعدام الرؤيا، وتزخر بأمثالٍ عن تشتّت الخراف وضياع الرعيان وتشريع أبواب الحظيرة أمام كلّ أنواع الذئاب.


لا وبل تُخبِرُنا هذه المارونية أيضًا كيف تتحوّل الحملان إلى ذئاب.
المارونيّة اليوم هي البرهان الأكيد على وجود الروح القدس وعلى عمله في الكنائس، نعم هي هذا البرهان الساطع لأنّ استمرارها إلى هذا اليوم رغم ضعف رجالاتها وإنتفاء وجود كلّ الأسباب التي تجعلها تستمّر، هذا الإستمرار اللامنطقي لا يمكن تفسيره إلّا بعمل الروح فيها.
هذه المارونيّة التي اعتادت أن تعاكس العالم منذ كانت في جبل قورش، حتى حلولها على مجرى النهر العاصي الذي يشبهها بعصيانه، إلى استقرارها على قمم جبال لبنان التي تشذُّ عن طبيعة الشرق السهليّة السهلة.
هذه المارونيّة التي اعتمدت في حريّة قرارها يوم خالفت إرادة الخلفاء ومشيئة الأباطرة لترفع واحدًا من بنيها بطريركًا على الكرسيّ الأنطاكي، وفضّلت العيش الخشن المكلل بالحريّة على الذميّة الرحبة المكللة بالعبوديّة.
هذه المارونيّة يا جدّنا مارون تقبع اليوم دون حراك أمام زحف الإستهلاكيّة و"مياعة" السياسة وروحانيات الدسم الخفيف.
مدّ عصاك يا جدّنا على صروحنا وهياكلنا. مدّ عصاك على من عصى الحريّة. مدّ عصاك على من استعمل اسمك في بازاراته السخيفة، وتمترس خلف قيود حقوقه ناسيًا أنّ لا حقّ له بأن يمنع الرسالة والشهادة عن أبناء الشرق.
مدّ عصاكَ يا جدّنا وجرّدنا من اسمك لنعرف أنّ البحص الذي نقف عليه لا يكفي لإستمرار كنيسة. ولا يغني عن الصخرة.
مدّ عصاك واغلق بها الأبواب التي منها تسرّبت روح العالم على كنيستك عوض أن يخرج منها الروح القدس إلى صحراء العالم.
مدّ عصاك واصلبنا عليها بكلّ ما نحمل من أنانيّة ووصوليّة، واتركنا للموت علّ القيامة تدركنا لنستحقّ أن نكون أحفادك، ولترتسم الإبتسامة على وجهك الممجّد كلّما ناديناك "جدّ الكلّ".
يا جدّ الكلّ! على اسمك دُعينا، فدُلّنا على المسيح الذي دُعيت على اسمه! دُلّنا عليه وتَحرّر منّا، وحرّرنا منك إلى حيث تحرّرت قبلنا وما برحت تسبّح ربّك وترفع له الشكر والمحبّة إلى الابد. آمين.


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم