الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

رغيد الصلح \r\nمات حزناً على العروبة

المحامي عبد الحميد الأحدب
رغيد الصلح \r\nمات حزناً على العروبة
رغيد الصلح \r\nمات حزناً على العروبة
A+ A-


غادرنا قبل ايام رغيد الصلح بسكتة قلبية فجائية، حيث كان يقيم في لندن. ورغيد هو ابن كاظم الصلح وشقيق خلدون، وجاء غروبه كما إقامته بهدوء وسكون ورقة وبرهافة!
كان رغيد الرجل الثاني بعد منح في حزب العروبة الذي كرس آل الصلح حياتهم له، فإذا كان منح هو نبي العروبة فإنّ رغيد أول خلفائها الراشدين!
ورحل منح بعدما رحلت العروبة في أواخر الربيع العربي، الذي كشف أنّ الاستبداديين من الاستقلاليين جعلوا من قضية فلسطين شماعة، ومن العروبة صلاة لإرساء استبدادهم، فلما سقطوا ومعهم سقطت الشماعة الفلسطينية وصلاة العروبة واستبدادها، ساد فراغ، أسرع إسلام ما قبل ألف وأربعمئة عام الى ملئه لأنّ الإسلام هو أيضاً بقي يتيماً من أي اجتهاد أو تطوير، فكانت الكارثة الكبرى. كنا بالاستبداد المدني فصرنا بالاستبداد الديني!!
وعمل منح ومعه رغيد كل حياتهما في مجموعة الأسئلة السياسية العروبية التي كانت تبحث عن إجابات لها ومجموعة الأحلام التي جاء تفسيرها مخالفاً للواقع، فالعروبة التي أطلّت من كتب منح ثم رغيد هي عروبة حلوة وجذابة ولكن كانت تنقصها الحرية، ومن هذا الباب المخلوع تسرّب الاستبداد الى العالم العربي من المحيط الى الخليج وحكمت البلاد العربية "بالكرباج" الذي سموه العروبة لأنه لم يكن فيه حرية ولا أحرار!
كانت فيه عقائدية، بعثية وناصرية و... و... ولكنها لم تكن يوماً عروبة حلوة جميلة تثلج الصدور وتحقق كرامة الانسان وسعادته على الأقل عند التطبيق.
رغيد الصلح على خطى منح الصلح كان رقيقاً مهذباً يحترم الغير ويحترم نفسه، كان الحرف الذي يخرج من فمه أو من قلمه متحرراً من رجس أي شتيمة، فصارت كتاباته عن العروبة أداة عبادة وصلاة عروبية تبحث عن جمع المسلمين والمسيحيين، ولكنها لم تنجح حتى في جمع المسلمين يوماً!
كان رغيد الصلح مثل منح أرستقراطياً تشتم رائحة عطره، تراه مهذباً! كان ابن عائلة! في زمن رفعت العروبة شعار الاشتراكية وانقضت بهذا الشعار على العائلات في البلاد العربية فهمّشتها وهجرتها وأذلتها وغيرت مفهومها.
فالعائلات هي التي حملت الحرية وحمتها لأنّ الحرية هي بنت أصل، ولا فرق بين حرية وحرية الاّ بقدرتها على اسعاد الناس.
ففي العائلات مخزون تاريخي أخلاقي وقدرة إنسانية، ولكن عروبة الاشتراكية فتحت للعائلات أبواب المعتقلات والتعذيب لتنقح إنسان المدينة من مدنيته.
رغيد الصلح كان يخرج من كتبه ليستقبل الناس ويحادثهم ويلاطفهم، ثم يعود آخر الليل لينام في أجفان الحروف! رغيد الصلح كلما التقيته تصورت أنه طالع من كتاب! كان دائماً مرصعاً بالحروف والكلمات الهادئة الرصينة التي فيها رائحة العطور، كجدار كنيسة بيزنطية معتق بالتاريخ، ككأس نبيذ.
لم يكن يسكن جسد رغيد الصلح في عباءة آل الصلح فحسب، بل كان في العباءة يسكن جسد القبيلة العربية كلها!
رحل رغيد الصلح حزناً على العروبة ولحق بمنح بعدما أعطاها كل منهما كل حياته!
كان رغيد الصلح جزءاً من سفر العصافير وسفر المراكب ورائحة الازهار وبكاء الأمطار على قراميد بيروت القديمة! لهذا قدمت هذه الكائنات استقالتها الجماعية الى الله لأنها بعد موت رغيد تشعر بأنها عاطلة عن العمل!
رحم الله رغيد الصلح، ورحم الله العروبة.


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم