السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

بَوْحُ ميشال عون وشجون المرأة المزدوجة

المصدر: "النهار"
فاديا كيوان- أستاذة في العلوم السياسية
بَوْحُ ميشال عون وشجون المرأة المزدوجة
بَوْحُ ميشال عون وشجون المرأة المزدوجة
A+ A-

في منتصف التسعينيات وبعد غياب دام عشرين عاما عن الساحة الدولية، أطل لبنان الرسمي والشعبي من جديد على العالم من خلال المشاركة في المؤتمر الدولي الرابع الخاص بالمرأة والمنعقد في بيجينغ. كانت المشاركة في ذلك المؤتمر مناسبة لوضع تقرير حول حال المرأة في لبنان. وتفاجأنا في حينه مرتين: مرة أولى لعدم وجود احصائيات حول وضع المرأة بالمقارنة مع الرجل في مختلف الميادين، ومرة ثانية عندما بيّنت لنا الأبحاث الميدانية التي أجريناها أن وضع المرأة ضعيف جدا بالمقارنة مع كل الدول المحيطة بنا، بالرغم من الأيديولوجيا السائدة حول موقع لبنان الحداثي الرائد وبالرغم من كل مظاهر اللهو والغناء والرقص والمتفشية في لبنان كمظهر من مظاهر حداثته وتميّزه عن المحيط.


وإذ نقرّ بأن المرأة اللبنانية ربما هي امرأتان، أو ثلاثة أو حتى أربعة، من حيث النماذج المعيارية " للمرأة اللبنانية"، نلفت الى أن أيا من هذه النماذج الأربعة، وحتى تلك التي تعتبر نفسها الأكثر حداثة وحرية، وبعد أن تنزل عن الطاولة التي قد ترقص عليها حتى الفجر، انما تكتشف انه ليس بإمكانها إعطاء الجنسية لولدها ولا هي تستطيع أن تفتح حسابا مصرفيا لصالح أي من أولادها القاصرين دون أن تمتد اليه يد الزوج الولي وان كان أحيانا سيئ التصرف وعديم المسؤولية.


توصيات مؤتمر بيجينغ
تكتشف المرأة اللبنانية، وفي كل الطوائف والمذاهب والأحزاب والمشارب الأيديولوجية، انه يتم التمييز ضدها في مجال تولّي المسؤولية في مختلف المجالات وبخاصة في المجال السياسي على خلفية أن في الذكورة ملامح مسؤولية وسمات قيادية تفتقر اليها المرأة. وإذا حصل خلاف ذلك وتم اعتماد امرأة لمنصب قيادي، يكون ذلك على سبيل الاستثناء وهو ما يكرّس القاعدة الذهنية المتخلّفة التي ذكرناها.
نزولا عند توصيات مؤتمر بيجينغ، تم استحداث الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية، وذلك في العام 1998. ويجب التذكير بأن انشاء الهيئة جاء بعد مخاض طويل دام حوالي السنتين، وفي جو سلبي ومقاوم للفكرة في الوسط النيابي والسياسي عموما. فكان يقال لنا: لشو؟ ماذا ينقص المرأة في لبنان؟
لماذا اخترنا آنذاك انشاء هيئة وطنية بدل انشاء وزارة؟


انقسام
كان ذلك لسببين: أولا، لأن الدول العربية من حولنا كانت منقسمة حول هذا الخيار. ففيما كانت دول المغرب العربي (المغرب، الجزائر، تونس) قد اعتمدت وزارة لشؤون المرأة وفي الغالب أرفقتها بالطفولة والمسنين، كانت دول المشرق العربي وبعض دول الخليج تعتمد صيغة الهيئة الوطنية (مصر، سوريا، الأردن، البحرين، الامارات). أما السبب الثاني فهو تخوفنا من أن يؤثر التوزيع الطائفي والمذهبي للحقائب على حقيبة شؤون المرأة فتكون متقلبة مع تقلب الظروف السياسية ومع التوزيع الطائفي والمذهبي للحقائب.
بعد 18 سنة باتت الهيئة الوطنية مؤسسة تنجح، وان كان ذلك صعبا ومحفوفا بالعوائق، في القيام بدور نوعي لجهة الإضاءة على قضايا رئيسية تعني المرأة وتسدي المشورة في ذلك وتعمل بالتعاون مع المجتمع المدني على تطوير الذهنيات وتمكين النساء ونشر الوعي المجتمعي حيال حق المرأة في المساواة التامة مع الرجل في الفرص كما في الكرامة الإنسانية، وذلك في كل المجالات من دون استثناء. أما في عهد الرئيس ميشال عون، فقد حدثت نقلة نوعية، وإن خجولة، في التعاطي الرسمي مع قضايا المرأة. فقد أصرّ رئيس الحكومة، وقد باح لنا بذلك حتى قبل تشكيل الحكومة، على تسمية وزير دولة لشؤون المرأة. أما الخجل فهو في أنه سمّى رجلا لهذه المهمة وليس امرأة. وهذا الموضوع شكّل احراجا للوزير نفسه وإهانة للمرأة اللبنانية عموما. لماذا رجل؟ هل لأنه لم يجد امرأة من حوله تكون أهلا لتحمل هذه المسؤولية؟ لا بأس. فقد تعالت النساء اللبنانيات على الجرح والاهانة وهن يعلنّ كل يوم الدعم لوزير الدولة لشؤون المرأة، وذلك لسببين اثنين: أولهما انه الوزير جان اوغاسبيان تحديدا، وهو الذي يحترمه ويجلّه الجميع، وثانيهما أن الوزير أوغاسبيان رفع عاليا لواء إحداث كوتا خاصة بالمرأة في قانون الانتخاب الذي يجري تداول صيغته حاليا والذي يشكّل موضوعا رئيسيا في أجندة حكومة العهد الأولى.


ماذا سيحصل؟
ماذا سيحصل للهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية؟ وماذا ستكون مهمتها بعد اليوم لا سيما وان فريق عمل الوزير أوغاسبيان ينكبّ على اعداد مشروع قانون لإنشاء حقيبة شؤون المرأة؟
نص قانون انشاء الهيئة الوطنية على أن يعيّن رئيس الجمهورية رئيسة للهيئة. وجرت العادة منذ عهد الرئيس اميل لحود حتى عهد الرئيس ميشال سليمان، أن يعين الرئيس السيدة الأولى رئيسة للهيئة. وفي ضوء ذلك، تشكلت عادة ثانية قضت بتعيين عقيلة رئيس مجلس النواب نائباً أول لرئيسة الهيئة وعقيلة رئيس الحكومة نائباً ثانياً للرئيسة. أما فلسفة المشترع في ذلك فكانت أن تعيين السيدة الأولى ومن ثم تعيين عقيلتي رئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة من شأنه إعطاء القضايا التي تحملها هذه الهيئة زخما خاصا يفيد القضية.
تطور تكوين الهيئة الوطنية تدريجيا وانتقلت من هيئة تشريف الى هيئة تكليف وانخرط في عدادها تدريجيا المزيد من أصحاب وصاحبات الاختصاص والمناضلات والملتزمين قضايا المرأة. كذلك مدت الهيئة الوطنية اليد للتعاون مع الهيئات النسائية ومع الجمعيات المدنية على اختلافها حتى شكّلت معها اخيرا تحالفا داعما لمشاركة المرأة في الحياة السياسية. فباتت الهيئة الوطنية جبينا ناصعا للدولة في أسمى ما يجب أن تصبو اليه، أي التواصل والالتحام مع القوى الحية في المجتمع وحمل تطلعاتها جميعها الى وسط المسؤولين وصانعي القرار.
من جهة أخرى، سعت الهيئة الوطنية لمأسسة آليات التعامل وضمان الاستمرارية. حتى أنها أحدثت عرفا يقضي بأن يجري حفل تسلم وتسليم بين السيدة الأولى السابقة والسيدة الأولى الجديدة، وهو خير مؤشر على أن القضية تعلو الأشخاص وان النضال من اجل حقوق المرأة يجب أن يتواصل ويتراكم ويحدث مع الوقت تغييرا نوعيا.


أسئلة عديدة
أما اليوم، وفي عهد يتوسمّ منه الخير العاملون من أجل العدالة ورفع الظلم، وخصوصا المناضلون من أجل حقوق الانسان، ومن أجل الديموقراطية الحقة، فهناك أسئلة عديدة تتقاذف في ذهننا وكذلك لدى الرأي العام اللبناني حول ما سيستجدّ في التعاطي بقضايا المرأة وحول ما إذا كناّ فعلا على مشارف نقلة نوعية حقيقية، تنتظرها اللبنانيات منذ عقود.
من هذه الأسئلة، كيف ستعمل الوزارة بعد انشائها؟ وهل ستذهب الى الجوهر أو انها ستبدأ باجترار المشاريع التي قد تجذب التمويل – وفي كل الأحوال ستبتلع الموارد-وتصبح حقوق المرأة مادة مثل موضوع الغاء الطائفية، نتحدث عنها وفيها بقدر ما نبتعد عن تحقيقها؟
ماذا سيكون مصير الهيئة الوطنية لشؤون المرأة؟ وهل ستبقى على ما هي عليه أي على صفتها الاستشارية للدولة مع وزارة تمتلك السلطة التنفيذية؟ كيف ستتعامل الوزارة مع الهيئة وبالعكس؟ وكيف سيكون التعامل مع مؤسسات المجتمع المدني ومع المؤسسات والجهات الدولية؟ هل سيتم التنسيق أم تحصل هناك ازدواجية وتجاذبات، قد تتخذ أبعادا طائفية وربما مذهبية؟


شجون كبيرة ومزدوجة
لكن الأهم بالنسبة الى النساء اللبنانيات هو السؤال عما إذا كنّ اليوم، مع وزارة واعدة وهيئة وطنية عائدة، أكثر قوة وفعالية في التأثير على صانعي القرار؟ وبصورة أدق، هل أنه اليوم، باستطاعة الطبقة السياسية التي تتداول صيغ قانون للانتخاب يرضيها جميعها، هل باستطاعتها، ونحن مسلّحات بوزارة امرأة واعدة وهيئة وطنية عائدة، أن تقفز فوق مطلب النساء اللبنانيات بكوتا تضمن مشاركتهن الفعلية في الانتخابات العامة المقبلة؟
أسئلة كثيرة تقلقنا لكننا نبقى على تفاؤلنا لان هذا العهد أراد أن يشكل منعطفا في الحياة الديموقراطية في لبنان. وبالمناسبة لا بد أن نذكّر بأن النساء في لبنان هن الحاضنات اللواتي ربّين اجيالا على الحرية والكرامة والتفاني من اجل الوطن وهن اللواتي زكّين روح الاقدام والثورة على الظلم والسعي للتخلص من الطغيان. هن اللواتي علّمن مجتمعهن على الغضب والثورة عند الضرورة.
إن شجون النساء اللبنانيات اليوم لكبيرة ومزدوجة: فمن جهة، هنّ قلقات على مجتمعهن الذي أصابه الوهن والفقر، وعلى وطنهن الذي ما زالت تهدده المخاطر من كل صوب، وعلى أبنائهن وبناتهن، الذين باتوا جميعا يسعون للهجرة بحثا عن الآفاق المفقودة. ومن جهة أخرى، ترى النساء اللبنانيات اياديهن مقيّدة بهذا التمييز اللعين الذي يقصيهن عن المشاركة في تحمل مسؤولية المصير.
لكن من علّم يوما الحرية وغذّى في أولاده الكرامة والنزعة الى العدالة ورفع الظلم، إنما يعرف أيضا أن يغضب هو أيضا.


 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم