الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

عصبة الـ 6

راشد فايد
A+ A-

عصابة الأربعة هي مجموعة سياسية يسارية مؤلفة من أربعة مسؤولين في الحزب الشيوعي الصيني، برزوا أثناء الثورة الثقافية (١٩٦٦/١٩٦٧)، واتهموا بارتكاب سلسلة من جرائم الخيانة والسيطرة على أجهزة السلطة في الحزب خلال المراحل الأخيرة منها.


وفي ١٩٦٩، بعدما هدأت الأوضاع عقب الثورة، سيطرت العصابة على مؤسسات الصحافة والإعلام وبدأت بالتدقيق في كل وسائل الدعاية وكل ما يكتب من مقالات في الصحف ليتفق مع أهواء المسؤولين السياسيين. وبوفاة ماو عام ١٩٧٦ ضعفت قوة العصابة وتشتت وقبض على أفرادها.
الحال في لبنان ليست بعيدة عن هذه الصورة: عصبة الستة تمسك اليوم بمصير البلاد، وتعجن الحياة السياسية بخميرتها، وتقولبها بقانون للانتخابات يرضي مصالحها، ويؤبدها. وهي بقدر ما تجرؤ على ترسيم حدود سطوتها، تجبن عن إيضاح رؤية أن مضمون ما تروج له اليوم،، يؤبد العصب الطائفي والمذهبي كمحرك للحياة العامة. فبدل علّة قانون الستين، الأكثري، واستفادة هيمنة السلاح عند تطبيق النسبية، جُمع الإثنان في واحد، وشرّ ذا عند جماعة على خير ذا عند أخرى، فإذا بالديموقراطية تسطع.
استشرست عصابة الـ4 بعد وفاة ماو تسي تونغ. ومات الفراغ في بعبدا بوصول العماد، فنشطت عصبة الـ6، وحلّت محبة عارمة بين أركانها، بعد احتدام الخصومات، من دون أن يحسم أحد برواية إنهائها: هل انجلى غبارها بـ"تهاون" سعودي- إيراني متبادل، أم أنها صناعة لبنانية مئة في المئة، كما يحلو للبعض رؤيتها؟.
ما ينقص عصبة الـ6 (ولو أن سادسهم يشارك عن بعد) هو جرأة التسليم بعجزهم - ولو أرادوا - عن الخروج من المنطق الطائفي إلى المواطنة، فكيف وهم لا يريدون، والأحرى أنهم لا يستطيعون، التسليم بالهوية الوطنية سقفا أوّلَ وأخيرا؟ وهم، في المقابل، أعجز من أن يتصارحوا، بأن لا مخرج من هواجس الطوائف إلا بالتسليم بحقيقة وجودها، وترسيم حدود معنوية لها، بوضوح يمنع كل التباس. أليست هذه القوى من يؤجج المشاعر الطائفية باستمرار، ويطوق جمهوره السياسي بعصبية دينية، واضحة، غيره يغلفها بحديث مزدوج المغزى، يقفز من الطائفية إلى الدولة المدنية، وبالعكس، بحسب المكان والزمان والجمهور؟.
ليست استماتة البعض في الدفاع عن النسبية والمختلط إيمانا بضرورة تطويق الطائفية، بل استقواء بسلاح سمح له بفرض سطوته على جمهور قاومها طويلا، ثم انصاع لها بالمكاسب والمنافع والترهيب، إلى أن سلّم بها، وبالاقتراع لمرشحيها. وليس التمسك بالنظام الأكثري انتصارا للديموقراطية، ما دام ثمة مرشحون يفوزون بالنيابة ببضعة آلاف من الأصوات، وآخرون يفوزون بنصف مثلها، وحتى أقل.
قد يرى قانون الانتخاب الجديد النور، لكن ليس الديمومة. وكما قيل بعد الدوحة إن قانون الـ60 المعدل أعاد حقوق المسيحيين، ثم صار مذموما، فإن القانون الجديد الموعود لن يكون مصيره غير ذلك.


[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم