الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

الوضع اللبناني المأزوم والقرار الأوروبي

موريس نهرا
A+ A-

في ظروف لبنانية صعبة مليئة بالتناقضات والأزمات، يأتي القرار الاوروبي بادراج "الجناح العسكري" لـ"حزب الله" في لائحة الارهاب، استجابة للضغوط الصهيو – اميركية، ليصب الزيت على النار. فالانقسامات الحادة المعروفة على صعيد الحياة السياسية، تصبح أكثر حدة، وتأليف الحكومة يصبح مسألة اكثر تعقيدا... اضافة الى أن هذا القرار يثير شهية العدو الاسرائيلي للانتقام من اخفاقه في لبنان، على يد مقاومة الاحتلال، فانه سيدفع "حزب الله" الى الاصرار على المشاركة في الحكومة بنسبة تريحه وتشكّل ضمانة داخلية له، في حين ان القوى السياسية المناقضة له ولدوره المقاوم، تعتبر هذا القرار فرصة ملائمة لها للتشدد في مطالبتها باستبعاد مشاركته فيها. وهذا ما يؤدي الى مزيد من العقبات في طريق تأليف الحكومة، والى جعل الوضع اللبناني والمشكلات المتفاقمة التي تنتظر معالجات وقرارات ضرورية، في خانة الانتظار الذي قد يطول، وبالتالي الى حالة يتسع فيها الشلل والعجز.
وليس خافياً ان التراجع في المجال الاقتصادي والاجتماعي والمعيشي، وفي تسيير شؤون الدولة ودورها العام، يحمل معه مزيداً من التشويش على صورة لبنان، وفي مجمل المجالات التي من ضمنها الفلتان الامني، وبؤر التوتر المذهبي والطائفي، ويضاعف قلق الناس على امنهم الاجتماعي والحياتي والوطني، ويضعف ثقتهم ببلدهم ومستقبل ابنائهم فيه، وقبل ذلك بالطبقة السياسية السلطوية باطرافها الاساسية وزعاماتها التي أوصلت البلاد الى هذا الدرك من التردي. ولم يكن صدفة ما قاله البطريرك الراعي في أكثر من مناسبة منتقدا الطبقة السياسية السلطوية التي تتحمل المسؤولية الاساسية في هذا الانحدار.
فزعامات هذه الطبقة السلطوية لا تجهل المخاطر التي تتهدد بلدنا وشعبنا، وتدرك انها تتأتى من مصدرين اساسيين: الاول، خطر انعكاس الاضطراب والغليان الذي تعيشه المنطقة العربية ولبنان منها، وخصوصا ما يجري في سوريا من نزاع دموي مأسوي وتدميري مؤسف، والذي يتخذ طابعا دولياً واقليمياً الى جانب طبيعته الداخلية.
والثاني المتعلق بطبيعة نظام المحاصصة الطائفية الذي ينتج الانقسامات العمودية، والشحن المذهبي والطائفي، ويؤدي الى استخدام الدين والعصبيات والتطرف، وسيلة للتوظيف السياسي في خدمة المصالح الفئوية والخاصة، على خلفية التمازج بين السياسي والطائفي والمذهبي، مما يؤدي الى اقامة بؤر توتر ونزاع وفتن، كان الشيخ الاسير وحوادث "عبرا" نموذجاً ومثالاً لها.
ومع وضوح كل ذلك، فان الطبقة السياسية السلطوية لا تبالي بوضع البلاد والناس والمصلحة العامة، ومع ان اطرافها يكثرون الكلام على حرصهم على مشروع الدولة، فان هذه الطبقة بمجمل سياساتها تقوم بدور شهود الزور على التلاشي المستمر للدولة ودورها. ويتضح من هذا السلوك السياسي للطبقة السلطوية، انها لم تستفد من دروس الحرب الاهلية التي دامت 16 سنة، للاقدام على تحقيق اصلاحات وتغييرات تمنع تكرارها. والسبب في ذلك يعود لكون هذه الزعامات السلطوية هي في الوقت نفسه زعامات مذاهب وطوائف، ولا يهمها وربما لا يضيرها تلاشي دور الدولة... فبقدر ما يتراجع دور الدولة يتعزز دور الطوائف وزعاماتها. وتغييب دور الدولة التي يفترض ان تكون الضامن لامن المواطن وحقوقه، يسهل على زعماء المذاهب والطوائف دفع ابناء مذاهبهم للجوء الى كنف زعاماتهم وطوائفهم كحاجة شخصية حياتية وكبديل من الدولة... لذلك يتشبت زعماء الطوائف والمذاهب السلطويون بالتمسك بالنظام الطائفي المتخلف. ولهذا السبب امتنعوا عن تنفيذ المداخل الاصلاحية لاتفاق الطائف الهادفة الى الغاء الطائفية.
واذا كان ليس غريباً ان تكون سياسات زعماء الطوائف والمذاهب كما هي، حيال الوضع المأزوم، فان الغريب ان يبقى القسم الاكبر من الناس يشعر في هذه الحالة، ولا ينخرط في تحركات احتجاجية مطالبة بالحقوق المهدورة، ويفرض التغيير الديموقراطي لاخراج لبنان من دوامة الازمات والاهتراء.
ان استمرار الوضع التناقضي الفتنوي، يضاعف المخاطر على بلدنا ويبقي باب التدخلات والانعكاسات الخارجية مفتوحاً، ويزيد شهية اسرائيل على العدوان. ولم يعد الحوار بين الاطراف كافياً، فالحاجة الملحة هي لمؤتمر وطني تشترك فيه جميع قوى المجتمع الحية، للتحاور حول أسس جديدة لبناء الوطن الحصين والدولة الديموقراطية المتماسكة.

قيادي شيوعي وكاتب سياسي

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم