الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

كيف يقرأ "حزب الله" الحملات الإسرائيلية ضده؟

ابراهيم بيرم
ابراهيم بيرم
كيف يقرأ "حزب الله" الحملات الإسرائيلية ضده؟
كيف يقرأ "حزب الله" الحملات الإسرائيلية ضده؟
A+ A-

قبل بضعة اشهر رصد أبناء عدد من البلدات الجنوبية عملية ازالة واسعة قام بها أفراد من "حزب الله" لكل "المطبات" المقامة على كل الطرق الرئيسية الممتدة من الساحل وصولا الى المناطق الحدودية. واللافت ان العملية أُنجزت في رائعة النهار.


المتسائلون عن سر هذه الخطوة وأبعادها ما لبثوا ان وجدوا ما شفى غليلهم المعرفي في جواب جامع مانع أتاهم، فحواه انها حلقة من لعبة الصراع اللامرئي الدائم بين الحزب والجانب الاسرائيلي الذي لا شك في ان صوَر فعل الحزب قد وصلته عبر طائرات استطلاعه التي لا تفارق سماء الجنوب على مدار الساعة، وقد ادرجها مباشرة في خانة ان الحزب يبعث اليه برسالة مشفرة فحواها اننا مستعدون لكل الاحتمالات، خصوصا ان العقل الصهيوني المتخصص في مواجهة الحزب يعي ان خطوة الاخير تلك معناها الرمزي انه يزيل ما من شأنه ان يؤخر حركة آلياته ولو لثوان معدودات، وهو ما له معناه في علم المواجهات العسكرية، وانه على اهبة الاستعداد او التحضير لعمل ما.
هذه الرواية التي تناقلها الجنوبيون في حينه هي واحدة من محطات الحرب الخفية الباردة المستعرة بين الحزب وتل ابيب، والتي تتخذ أشكالاً شتى وإن غاب دويّ قذائفها او لم يُسمع ازيز رصاصها.
انطلاقا من هذه الواقعة المنطوية على فيض من العبر، يتعاطى المعنيون مع البروباغندا الحربية التي دأب العقل الاسرائيلي على شنها في وجه عدوه الالد والذي يحسب له الف حساب، ويتعامل بجدية بالغة مع كل حركة من حركاته مهما تضاءلت. ولم يعد مفاجئا لدى الدوائر المعنية في الحزب الاستنتاج بأن ثمة حرباً استباقية - افتراضية – ممنهجة بدقة اطلقها العقل الاسرائيلي قبل نحو ثلاثة اعوام تهدف الى: التهويل وبث مناخات ترعيب وترهيب من جهة، وابلاغه (الحزب) ان كل حركاته وسكناته هي تحت عين الرصد الاسرائيلية من جهة اخرى، وانها (اسرائيل) تستعد وتراكم ليوم المنازلة معه من جهة ثالثة مهما طال الزمن.
آخر محطات هذه الحرب كان الاعلان عن ان القيادة الاسرائيلية نجحت في تخريج "قوة مقاتلة نخبوية" تلقت تدريبا نوعيا لتحاكي نوعية النخب المقاتلة لدى الحزب، وان مهمات هذه القوة تنحصر في جبه مجموعات الحزب التي ستتقدم نحو المناطق الاسرائيلية المحتلة المتاخمة للحدود اللبنانية وتدمير الانفاق التي يعتقد ان الحزب شرع إما بحفرها فعلا او يحضّر لحفرها في ميقات محدد لتكون معبر ولوج وحدات الحزب الى العمق الاسرائيلي.
ولاريب ان قراءة الجهات المعنية في الحزب توحي بأن القصد من وراء هذا الكلام الاسرائيلي بعث رسائل تطمين الى الجمهور الاسرائيلي مفادها ان الجيش الاسرائيلي استعاد زمام المبادرة وأمّن السيطرة على الموقف وأبطل التفوق النوعي للحزب وبدد عنصر المفاجأة المحتمل لديه والذي تكرس اكثر ما يكون بعد حرب تموز. ولم يكن هذا الامر كله مفاجئا او لونا جديدا بالنسبة الى الحزب، اذ سبق له ان رصد مدى نحو ثلاثة اعوام حملة اعلامية نفذها العقل الاسرائيلي عنوانها العريض الخوف والتخويف من قدرات الحزب على التسلل الى العمق الاسرائيلي في وقت ما، ومن تضخم ترسانة الصواريخ لديه (نحو 130 الف صاروخ وفق بعض التقديرات ومن النوعية المتطورة لهذه الترسانة) بحيث صار نحو ثلثي الجغرافيا الاسرائيلية تحت مرمى هذه الصواريخ على نحو يمكن ان يفضي الى إبعاد دور الطيران الحربي الاسرائيلي الذي كان يشكل عنصر التفوق العسكري التاريخي لتل ابيب.
وقد استغلت القيادة الاسرائيلية التهديدات المتكررة للامين العام للحزب السيد حسن نصرالله في هذا السياق ليكون ذلك مبررا لترفع منسوب الاستنفار والاستعداد من جهة، ولتكثف المناورات العسكرية من جهة اخرى، وثالثا، وهو الاكثر اهمية، لتبرر لاحقا عمليات التدخل العسكري المتكررة في الميدان السوري عبر استهداف قوافل ومواقع ومطارات وطرق بعينها تحت العنوان الجاهز وهو الحيلولة دون وصول اسلحة واعتدة عسكرية نوعية كاسرة للتوازن الى قواعد الحزب في الداخل اللبناني، وكان آخرها قبل نحو ثلاثة اسابيع الغارة على مطار المزة العسكري في محيط دمشق.
وسواء صحّت تبريرات تل ابيب بأن الغارة استهدفت قافلة صواريخ نوعية كانت في طريقها الى لبنان ام لا، فالثابت ان الحزب يدرك ان أمر الاغارات الاسرائيلية على مواقع وطرق في سوريا، وبالتحديد في محيط العاصمة السورية والطرق الى لبنان، سيصير حلقة من حلقات الفعل الاسرائيلي الدائم وذلك خدمة لاهداف متشعبة ابرزها توجيه ضربات الى قوات الحزب في لبنان وسوريا في نطاق الحرب الاستباقية تحت عنوان حفظ امن اسرائيل، وهو ما يجد آذانا صاغية لدى الغرب.
وعليه، فإن الحزب يتعامل مع الكلام الاسرائيلي المستجد والمتوالي فصولا عن عمليات تحضير تتم على قدم وساق لجبه هجمات محتملة للحزب انطلاقا من الجنوب، ومع الفعل العسكري الاسرائيلي المنتظر تكراره في سوريا والذي ترافق اخيرا مع تلويح بتدخل عسكري مباشر في مناطق سورية بعينها، على انه يندرج في خانة لها اهداف متشعبة، في مقدمها ابلاغ من يعنيهم الامر سواء الحزب او النظام السوري انها (اي اسرائيل) لن تظل مكتوفة حيال اي كسر للتوازنات وقواعد اللعبة المألوفة مستقبلا وان لا خطوط حمراً تردعها.


ماذا عن رد فعل الحزب؟
الى الآن يتعامل الحزب ببرودة مع هذه الضجة الاسرائيلية وهذه الموجة من التهويل انطلاقا من القاعدة القديمة وهي ان اسرائيل ما برحت تحت تأثير صدمة حرب تموز، وانها ليست في وارد تكرار المغامرة اذا كانت تشعر بأن النتيجة هي عينها لان اسرائيل لا تتحمل هزيمة ثانية مماثلة.
ومع كل ذلك فلدى الحزب خريطة طريق لمواجهة ما تعده اسرائيل تقوم على القواعد الآتية:
- يركز الحزب اعلاميا على الهواجس والمخاوف الاسرائيلية العالية منه كما ترد في الاعلام الاسرائيلي نفسه.
- يعمد الحزب الى اتخاذ مناطق جنوبية معينة كمنصات لبث الرعب ولبعث الرسائل المكثفة الى اسرائيل فحواها انه جاهز وإن كان يشارك في الميدان السوري.
- اختار الحزب في سوريا ومنذ زمن مناطق بعينها تقع تحت مرمى النظر الاسرائيلي ليبلغ عبرها اسرائيل انه قد صار هناك، وان هذه المناطق تحت رعايته وانه يفعل فيها كل ما يمكن فعله لتكون لاحقا قواعد انطلاق دائمة في تصرف الحزب.
وفي كل الاحوال، لايزال الحزب يقيم على اعتقاد ان اسرائيل تهوّل ليس إلا.


ibrahim.bayram @annahr.com.lb

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم